الجوع إحدى الغرائز الإنسانية التي تُبقي الإنسان على قيد الحياة، فضلاً عن إدخاله السرور عند تناول ما لذ وطاب، لكن القدماء قالوا أنّ المعدة أصل كل داء! إلّا أن القول آنف الذكر ليس القاعدة العامة، فهناك من يعاني من آلام عند تناول بعض الأطعمة ولو كانت بكميات قليلة! من المؤكد أنّك سمعت عن أحد من محيطك لا يفارق مضاد للتشنج جيبه وخصوصاُ على مأدبة الطعام! وتبادر إلى ذهنك الفضول عن سبب تلك الصداقة غير المرغوبة، من حسن حظك أنك في المكان الصحيح لإشباع فضولك!.

من خلال مقالنا هذا سنتعرف سويةً على متلازمة الأمعاء الهيوجة Irritable Bowel Syndrome (IBS)، الناجمة عن اضطرابات في حركات العضلاء الملساء في الأمعاء، سنتمكن سويةً من فهم متلازمة الأمعاء الهيوجة التي يعاني منها حوال 12% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، متطرقين إلى أسبابها والعوامل المؤهبة لها، من ثمّ إلى الأعراض التي يشكي منها المريض، انتقالاً إلى كيفية تشخيص المتلازمة والعلاجات المٌخففة للأعراض التي يعاني منها المريض بنمطيها السوكية والدوائية.

ننصح بمشاهدة هذا الفيديو بعد قراءة المقال من أجل تحقيق فهم أفضل :

https://www.youtube.com/watch?v=eKLqFnAmK6c

أسباب متلازمة الأمعاء الهيوجة والعوامل المؤهبة لها:

تٌعد متلازمة الأمعاء الهيوجة أحد الاضطرابات الوظيفية الناجمة عن خلل في تنسيق الإشارات بين الدماغ والأمعاء ما يُسبب زيادة في حساسية الأمعاء، إذ تكون الأمعاء سليمة تماماً إلّا أن خلل توافق الإشارات الصادرة عن الدماغ (مركز القيادة في الجسم) هو ما سبب الاضطراب في المقام الأول. تؤدي زيادة حساسية الأمعاء إلى انخفاض عتبة الإحساس بالألم، ومن ثمّ الشعور بالألم عند شدات أقل من المعتاد والإحساس بالنفخة، وفي مراحل لاحقة تتأثر حركية الأمعاء مُسببةً الإسهال أو الإمساك أو كليهما. من الممكن أيضاً أن تُسبب الأخماج الجرثومية الشديدة في الأمعاء حدوث متلازمة الأمعاء الهيوجة لاحقاً.

يوجد أيضاً العديد من الاضطرابات العضوية عند مريض هذه المتلازمة، الأمر الذي يؤكد على سلامة المريض من الناحية الجسدية لكن يوحي بوجود مشكلة في تفسير الإشارات الدماغية، مثل

الألم الليفي العضلي Fibromyalgia، الألم الحوضي المزمن Chronic Pelvic Pain، والقلس المعدي المريئي Gastroesophageal Reflux Disease (GERD).

هناك بعض عوامل الخطورة، التي تزيد من احتمالية الإصابة بالمتلازمة (لكن ليس بشكل مؤكد)، ومنها:

الجنس الأنثوي، وجدت بعض الدراسات أيضاً أن المُعالجة المُعيضة بالهرمون الأنثوي الإستروجين قد تؤهب لمتلازمة الأمعاء الهيوجة أو تزيد من شدتها في حال كانت موجودة، بالإضافة إلى زيادة الأعراض أثناء الدورة الشهرية.

الناس بعمر أقل من 50 سنة أكثر عرضة للإصابة ممن تجاوزا الـ 50 عاماً.

وجود أحداث مُسببة للتوتر في حياة الفرد، سواءً في الحاضر أو فترة الطفولة (كالاضطهاد).

وجود أقارب مُصابين بمتلازمة الأمعاء الهيوجة.

وجود اضطرابات نفسية كاضطراب القلق أو الاكتئاب.

أسباب ومحرضات متلازمة الأمعاء الهيوجة

أسباب ومحرضات متلازمة الأمعاء الهيوجة

أعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة:

يشكل الألم البطني العرض الرئيس للمتلازمة، وقد يترافق مع تغير في عادات التغوط (إمساك أو إسهال أو كليهما)، علماً بأن عادات التغوط قد تبقى طبيعية لفترة من الزمن، تبعاً لذلك تمّ تصنيف المرض إلى ثلاثة أنماط:

متلازمة الأمعاء الهيوجة مع سيطرة الإمساك: في حال كانت نسبة الفضلات القاسية أكثر من 25% والفضلات السائلة أو الطرية أقل من 25% في الغائط

متلازمة الأمعاء الهودة مع سيطرة الإسهال: في حال كانت نسبة الفضلات السائلة أو الطرية  أكثر من 25% والفضلات القاسية أقل من 25% في الغائط

متلازمة الأمعاء الهيوجة ذات النمط المختلط (إمساك وإسهال): في حال كانت نسبة الفضلات القاسية أكثر من 25% والفضلات السائلة أو الطرية أكثر من 25% في الغائط

بعض الأعراض الأخرى الأقل شيوعاً: الإحساس بنفخة في البطن، الشعور بعدم انتهاء عملية التغوط، وجود مخاط أبيض اللون في الغائط.

أعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة

أعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة

العلامات الحمراء في متلازمة الأمعاء الهيوجة:

من المهم الانتباه إلى بعض الأعراض (ما يلاحظه المريض) والعلامات (ما يلاحظه الفاحص أو الطبيب) التي تستبعد تشخيص متلازمة الأمعاء الهيوجة وتشكل علامات حمراء يجب الانتباه لها والبحث عن المُسبب الحقيقي لها:

عند البالغين:

فقر الدم عند أجراء تحليل تعداد الدم Complete Blood Count (CBC).

وجود نزف من المستقيم، أو براز مدمى إذ يكون الدم موجوداً في البراز عند التغوط.

انخفاض الوزن بنسبة 10% خلال آخر 6 أشهر.

عند الأطفال:

الإقياء المٌستمر.

الاستيقاظ من النوم من أجل التفوط في حالة الإسهال.

آلام عضلية.

تأخر البلوغ (حوال 8-13 سنة عند الإناث و9-14 سنة عند الذكور).

 

تشخيص متلازمة الأمعاء الهيوجة:

من المهم تذكر أن تشخيص متلازمة الأمعاء الهيوجة يتم عن طريق الاستبعاد، أي بعد نفي الحالات الشائعة المؤدية للأعراض سابقة الذكر مثل التهابات المعدة والأمعاء وطلب التحاليل المناسبة بعد تقييم الطبيب للمريض. من المهم تذكر أن متلازمة الأمعاء الهيوجة مرض وظيفي، فعند فحص السبيل الهضمي كاملاً سواء بالأمواج فوق الصوتية أو التنظير الهضمي سنجد أنه سليم. يمكن التوجه للمتلازمة بعد عن طريق التفصيل في شكاية العرضين الأساسيين: الألم وتغير في عادات التغوط (سواء كانت إمساك أم إسهال) ، وعلاقة الألم مع التغوط: هل يزيد الألم أم ينقص يعد التغوط، مع ملاحظة تفيرات في تواتر الدخول لدورة المياه وشكل الفضلات.

يكون سير المرض على شكل نوب غالباً وليس مستمر، وبقدر التزام المريض بتعلميات الطبيب وبابتعاده عن مٌحرضات النوب، يمكنه السيطرة على أعراضه ورفع جودة حياته.

من واجب الطبيب طمأنة المريض بأن هذه المتلازمة سليمة تماماً ولا تؤدي بحد ذاتها لأي اختلاطات أو أذية في الجسم على المدى طويل الأمد، على الرغم من الإزعاج الذي يعاني منه المريض وما يرافقه من انخفاض في جودة الحياة. قد يسبب الإمساك أو الإسهال على المدى الطويل في بعض الحالات بواسيراً.

 

علاج أعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة:

لا يمكن علاج متلازمة الأمعاء الهيوجة بشكل شاف، فالعلاج يكون موجهاً بشكل أساسي نحو الأعراض الناتجة. يملك نسبة قليلة من الناس فقط أعراضاً شديدة، إذ يمكن السيطرة عليها في معظم الحالات عن طريق تغييرات نمط الحياة، ضبط الحمية الغذائية وتجنب القلق، والحصول على قدر كافي من النوم.

 علاج متلازمة الأمعاء الهيوجة

علاج الألم البطني:

يكون علاج الألم البطني عن طريق زمرة دوائية تُدعى مضادات التشنج، والتي تضم العديد من الأدوية مثل الـ Hyoscine  والـ Dicyclomine. نذكر أنه لا دور للصادات الحيوية في علاج المتلازمة.

السيطرة على الإسهال:

تجنب المنتجات الغذائية التي تحوي على مادة السوربيتول (مادة ملينة تزيد من كتلة الفضلات ما يزيد من عدد مرات الخروج)، وخفض تناول المنتجات الحاوية على حبة كاملة مثل السكر البني والرز البني (كونها تحوي المزيد من الألياف بسبب القشرة، ما يزيد من كتلة الفضلات). في حال لم تُفد الإجراءات السابقة، من الممكن استشارة الطبيب حول أخذ أدوية مضادة للإسهال مثل دواء Loperamide.

إن السيطرة على الإسهال مهمة، لكن الأهم منه هو تعويض السوائل بكميات كبيرة لكيلا يدخل المريض بحالة تجفاف ناجمة عن فقد السوائل بكميات كبيرة في البراز.

تخفيف الإمساك:

زيادة الوارد من الماء، الحركة وتجنب الخمول لتنشيط حركات الأمعاء، تناول الأطعمة الغنية بالألياف كالخضار والفواكه. قد يصف الطبيب حسب الحالة أدوية ملينة، التي تعمل إما على تنشيط الحركات المعوية أو زيادة كتلة الفضلات مما يُسهل عبورها، لن نخوض فيها لكثرة أصنافها واختلاف وصفها حسب الحالة التي يعاني منها المريض.

من المهم تذكر أن الأطعمة المُحرضة لنوبات متلازمة الأمعاء الهيوجة تختلف من مريض لآخر، وبالتالي يجب كتابة الأطعمة التي تناولها المريض يومياُ خلال أول فترة لمعرفة الأطعمة التي تُسبب الأعراض عند تكرارها في القائمة لتجنبها في المستقبل.

السيطرة على القلق:

كما سبق وذكرنا أن التوتر قد يؤدي إلى متلازمة الأمعاء الهيوجة، لذلك قد  يقترح الطبيب العلاج المعرفي السوكي Cognitive Behavioral Therapy كأحد العلاجات غير الدوائية للقلق، عن طريق تحويلك إلى مختص بالعلاج النفسي. من المهم أيضاً التماشي مع الأعراض وعدم التذمر منها، لكيلا يدخل المريض في حلفة مفرغة من القلق الناجم عن وجود الأعراض، ثمّ زيادتها بسبب القلق الناجم عنها، ثمّ زيادة شدتها مرة أخرى وهكذا دواليك.. قد تُحسن التمارين الرياضية المزاج ومن ثم تحقيق سيطرة أفضل على الأعراض.

في حال لم تتمكن من السيطرة على القلق، قد يصف الطبيب أحد الأدوية المضادة للاكتئاب من زمرة Amitriptyline وCitalopram، التي قد تُساعد في السيطرة على الأعراض لكن تحتاج لعدة أسابيع قد يظهر تأثيرها، وتمتلك بعض التأثيرات الجانبية.

 

ختاماُ، تعرفنا سوية على متلازمة الأمعاء الهيوجة، التي سنلخصها في القصة التالية: عانت امرأة بعمر أقل من 50 عاماً من ألم بطني مترافق مع تغير بعادات التغوط على شكل نوبات، وعند زيارتها للطبيب كانت الفحوصات السريرية المخبرية والشعاعية طبيعية، تعرضت المرأة للاضطهاد في طفولتها بالإضافة لذكر أعراض مشابهة عند والدها. من المهم تذكر أنّ متلازمة الأمعاء الهيوجة لا تزيد من خطر الإصابة بسرطان الأمعاء أو الكولون، ويكمن العلاج الأساسي في السيطرة على الأعراض وتجنب القلق والطعام المٌزعِج للمريض.

يهدف المقال السابق إلى طرح معلومات طبية بهدف نشر الثقافة الطبية ولا يٌغني عن زيارة الطبيب. ندعو كل من يقرأ المقال وأحد معارفه يعاني من الأعراض السابقة أن يشجعه على زيارة الطبيب بهدف حل المشكلة، فهي ليست خطيرة ويمكن السيطرة عليها عند التزام المريض. بعد قرائتك للمقالة اذكر لنا كيف ستقنع المريض بزيارة الطبيب!