لطالما كانت المرأة هي النواة الأولى والمحتضن الأكبر لكل نجاح يحصل فعلى الرغم من مواجهتها للعديد من العقبات والتصورات المجتمعية التي حدّت من تقدمها ولكنها أصرّت أن تترك بصمةً تميّزها. فأعطت المرأة في مجال الجراحة نتائج مثيرة للذهول حيث أن المرضى الذين عولجوا على يد جرّاحين ذكور كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 25% بعد عام واحد من الجراحة مقارنة مع الجرّاحين الإناث.

المرأة ضمن مجال الجراحة عبر التاريخ

عانت المرأة منذ عقود من تحديد لدورها في المجتمع وحصره ضمن قوالب معينة ومجالات محددة لا يسمح لها العرف بالتعدي عليها، ولم ذلك مقتصراً على منطقة البلاد العربية بل وحتى في الدول الأوروبية.

أما الآن فقد أصبحْنَ الجرّاحات جزءاً لا يتجزأ من القوة الجراحية في منطقة الخليج العربي. فمن المعروف أن منطقة الخليج العربي ذات أهمية سياسية واقتصادية نظرًا لموقعها الاستراتيجي وثروتها النفطية ونتيجة لذلك حظيت هذه المنطقة بنفوذ غربي ودولي كثيف.

وعلى الرغم من ذلك، لا نجد إلا القليل من المنشورات المكتوبة عن الرعاية الصحية مما أدى إلى ظهور العديد من المفاهيم الخاطئة حول المنطقة وخاصة فيما يتعلق بوضع المرأة ضمن مجال الجراحة. حيث يعتقد البعض أن النساء في منطقة الخليج العربي يعانين من القمع ويكْنَّ مواطنين من الدرجة الثانية لا يشتركن في المجالات التقليدية التي يهيمن عليها الذكور.

المرأة في مجال الجراحة

جرّاحة تقوم بإجراء عمل جراحي

نساء عرب أبدعن في مجال الجراحة

  • الدكتورة سليمة الرمضان

هي أول جرّاحة عامة للأطفال في الكويت، التي تدرّبت محليًا وحصلت على زمالة كلية الجرّاحين الملكية (FRCS) في عام 1988. وكان لها مساهمات قيّمة في قسم جراحة الأطفال والمسالك البولية في مستشفى ابن سينا، وكانت أول رئيسة لهذا القسم بين عامي 1999 و 2006.

  • الدكتورة حورية كاظم

أول جرّاحة في الإمارات العربية المتحدة، التي تدربت في أيرلندا والمملكة المتحدة وحصلت على زمالة كلية الجراحين الملكية لتبدأ عملها في مجال الجراحة في عام 1993. وقد ألهمتها الحالات العديدة لسرطان الثدي المتقدم التي عاينتها. متابعة مهنة في جراحة الأورام وجراحة الثدي. في ذلك الوقت، سمحت العديد من النساء لمرضهن بالتطور بشكل خطير لأنهْنَّ كُنَّ محرجات للغاية من أن يتم فحصهن من قبل الأطباء.

  • الدكتورة تغريد المحميد

اكتسبت الدكتورة تغريد المحميد سمعة طيبة كقائدة مبتكرة ومتخصصة في مجال جراحة السرطان عند النساء. والآن أصبح استشاري الجراحة العامة في مستشفى الزهراء بدبي واحدًا من عدد قليل من الجراحين في دولة الإمارات العربية المتحدة المرخصين لاستخدام تقنية جديدة تمامًا تحدد موقع الأنسجة السرطانية بدقة أكبر، مما يساعد على زيادة فرص إزالة السرطان بالكامل.

تفضيلات المرضى لجنس الجرّاح 

في دراسة أجريت على مجموعة من البالغين في المملكة الأردنية، أظهرت أن حوالي نصف المشاركين الذين تم دراستهم لم يظهروا أي تفضيل لجنس الجراح. حيث تتوافق هذه النتائج مع الأدبيات، فقد أظهرت العديد من الدراسات أن المجموعات السكانية المختلفة تظهر ميلًا سائدًا لعدم وجود تفضيل بين الجنسين. تشير الأدلة إلى أن تفضيل الناس للجراحين يعتمد على المؤهلات المهنية (مثل السلوك والكفاءة) ومهارات الاتصال بدلاً من الخصائص الشخصية مثل الجنس.

يمكن أن تعزى فكرة الحياد تجاه جنس الجراحين بين الأردنيين إلى عوامل أخرى. أولاً، قد يُظهر المشاركون، وخاصة البالغين الأصغر سنًا، تحيزًا في الرغبة الاجتماعية في استجاباتهم. من الممكن أن يؤثر التاريخ الشخصي أو العائلي مع العمليات الجراحية على التفضيل العام.

ما هو السر وراء هذا التمييز؟

كشف مجال علم النفس الاجتماعي بشكل خاص عن العديد من الآليات المعرفية والتحفيزية التي تكمن وراء التمييز بين الجنسين. كان التركيز موجهًا نحو النساء في أماكن العمل حيث كان التمييز بين الجنسين مشكلة خاصة بالنسبة لهن، لا سيما في المجالات التي يهيمن عليها الذكور.
جعلت هذه الاختلالات المرأة في مجالها الجراحي في وضع غير مؤات اجتماعيًا واقتصاديًا، حيث غالبًا ما تكون تلك المهن في مكانة عالية، والتي بدورها تؤدي إلى المزيد من المكافآت المالية والاجتماعية. غالبًا ما تتوافق هذه المجالات مع التخصصات الجراحية في الطب لأنها تحظى بتقدير كبير على أنها “مرموقة” بين الجمهور وطلاب الطب وغالبًا ما يتم البحث عنها بسبب ذلك.

فقد يعود هذا التفضيل غالبًا للتحيز الجنسي المتجذر في ثقافاتنا والذي يرتكز على الصورة النمطية لكل جنس بغض النظر عن حقيقتها (أو عدم وجودها) فيؤدي عدم التوافق الملحوظ بين هذه الصور النمطية للجنسين إلى توقعات سلبية لكل من الرجال والنساء والذي بدوره يساهم في تعزيز هذا التمييز.

الميزات التي تجعل المرضى يفضلون اختيار جنس محدد للجرّاح

  • ينظر للجرّاحين الذكور على أنهم أكثر جدارة بالثقة وأكثر معرفة وخبرة من النساء

وهنا نعود لنقطة الصورة النمطية المتجذرة التي ترسم للرجل صورة الشخص القادر على تحمّل الجهد الجسدي بشكل أكبر وأنّ الإناث أقل جدارة ضمن المجالات التي تحتاج قوة عضلية وبنية جسدية أضخم.

تحتاج العمليات الجراحية من الجرّاح الوقوف لفترات طويلة وهذا ما يستهلك ما يحتاج لياقة بدنية عالية.

  • يُنظر للجراحة المرأة على أنها أكثر تعاطفاً وتعاون وقدرة على الاستماع

في المقابل نجد أن للمرأة ميزات تجعل منها جرّاحة مفضلة في بعض الأحيان فمن صفاتها ومن الصورة النمطية المعروفة عنها فهي أكثر قدرة على الاستماع والإنصات لما يشغل بال المريض فهي أكثر قدرة على التواصل وإيضاح كل ما هو مبهم لدى محيطها فكيف إذا كانت هذه الميزات موجودة لدى جرّاحة؟!

وكذلك نجد من صفاتها القدرة على الصبر وتحمل العمل لفترات طويلة وهذه من أهم ميزات الجرّاح الماهر التي تجعل من العمل الجراحة أكثر نجاحاً وبأقل المضاعفات الممكنة.

كتب البروفيسور مارتن ألمكويست من مستشفى جامعة Skåne في السويد:

“حقيقة أن الجراحات أجرين عمليات جراحية ترافقت مع مضاعفات أقل ولكن استغرق العمل الجراحي وقتًا أطول حيث أن شعار القوات البحرية “البطيء سلس، والسلس سريع” ينطبق أيضًا على الجراحة.

المرأة في مجال الجراحة

مهارات الاستماع لدى طبيبة

تفضيل الجنس حسب نوع الجراحة

في نفس الدراسة على مجموعة من سكان الأردن، عندما تم سؤال المشاركين عن تفضيل الجراحين للجنس حسب نوع الجراحة، بالكاد كان لدى المشاركين أي اختلافات ملحوظة.

كان الجراحون الذكور مفضلين بشدة من قبل المشاركين من كلا الجنسين في عمليات القلب والأوعية الدموية وجراحة العظام.

وبالمثل، تم تفضيل الجراحات بشكل كبير في جراحات أمراض النساء والتوليد، والجراحات التجميلية، وجراحات الثدي.

ومع ذلك، عندما سُئلوا عن جراحات المسالك البولية، كان كلا المشاركين أكثر عرضة بنسبة 12 مرة لاختيار جراح من نفس جنسهم.

بعض المعوقات التي تواجهها المرأة في مجال عملها كجرّاحة

على الرغم من الخطوات الكبيرة التي تم احرازها من قبل النساء على مدى الأعوام في تحقيق التوازن بين الجنسين في القوى العاملة في مجال الجراحة إلا أنه لا يزال هنالك بعض العوائق مثل:

  • العدد الأقل من النساء الجراحات اللاتي يشغلن مناصب قيادية

جعلت الصعوبات التي واجهتها المرأة منذ محاولات دخولها المجال الطبي وحتى وصولها لعدد من التخصصات التي يسيطر عليها الرجال سبباً في قلة عدد النساء ضمن المجال وبالتالي وجود عدم توازن في نسبة النساء إلى الرجال.

بشكل عام، شهد كل مستشفى حكومي في الكويت زيادة في الأدوار القيادية بين الإناث؛ وفي عام 2008، من بين جميع المناصب القيادية في المستشفيات العامة في الكويت، احتل الذكور أغلبية المناصب (60٪)؛ بينما في عام 2016، كانت نسبة الذكور إلى الإناث 1:1. وقد شوهد أكبر تغيير في اتجاهات النوع الاجتماعي في مستشفى مبارك الكبير، حيث ارتفعت نسبة القيادات النسائية من 38% في عام 2008 إلى 73% في عام 2016.

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/core/lw/2.0/html/tileshop_pmc/tileshop_pmc_inline.html?title=Click%20on%20image%20to%20zoom&p=PMC3&id=6639578_mpp-0028-0315-g08.jpg

النسبة المئوية لعدد الإناث في كل تخصص مع الوقت

  • عدم قدرة المرأة على تحقيق التوازن بين العمل والحياة العملية

حيث لا يرجع السبب لعدم كفاءة الأنثى في مجال الجراحة بل إلى الصعوبة التي يواجهنها في تحقيق التوازن بين عبء العمل ومسؤوليات المنزل ورعاية الاطفال

  • الافتقار إلى الموجهين وبرامج الإرشاد للنساء ضمن مجال الجراحة

في سياق دعم الجرّاحات تم إنشاء مؤخراً أول مجموعة جراحية نسائية في الخليج، “جرّاحات الكويت” (WSK) في عام 2018، والتي أصبحت الآن رسميًا لجنة في جمعية الجراحين الكويتية (KAS).

وعلى الرغم من أنّها لا تزال في بداية عملها، فقد نجحت WSC بالفعل في بناء قاعدة أعضاء كبيرة، وإنشاء برنامج إرشادي وشبكي، وقادت الجهود الإقليمية لوضع مبادئ توجيهية خلال أزمة جائحة COVID-19 وإشراك الجمهور من خلال الأحداث العامة ووسائل التواصل الاجتماعي. وبالإضافة إلى ذلك، كان لـ WSC دور فعال في تنظيم أول اجتماع “جراحات الخليج” في الكويت في 2019 حيث وفر هذا الاجتماع مكان مناسب لمواجهة التحديات التي تواجهها الجراحات

  • التغلب على التحيزات الضمنية بين الجنسين

ما يميز أغلب الدول العربية هو الحواجز الثقافية التي تمنع بعض النساء من السفر بقصد التدريب أو الدخول في سوق عمل يسيطر عليه الذكور وهذا ما يجعل المرأة أقل قدرة على الانخراط في مجال الجراحة.

في النهاية؛ نجد أنه في غالب الأحيان وفي أغلب الثقافات أن هذا التفضيل للتحيز الجنسي المتجذر في ثقافاتنا والذي يرتكز على الصورة النمطية لكل جنس بغض النظر عن حقيقتها (أو عدم وجودها)؛ فيؤدي عدم التوافق الملحوظ بين هذه الصور النمطية للجنسين إلى توقعات سلبية لكل من الرجال والنساء والذي بدوره يساهم في تعزيز هذا التمييز.

برأيكم كيف من الممكن أن نصل إلى يوم نجد فيه أن هذا السؤال لم يعد يطرح في الوسط الجراحي؟