في عالم تزداد فيه وتيرة التسارع والابتكار والتطور التكنولوجي، يبرز مصطلح “إنترنت الأشياء” كأحد أبرز الثورات التكنولوجية التي تشكل عالمنا، فهو عبارة عن شبكة مترابطة من الأجهزة التقنية الذكية تتواصل مع بعضها البعض عبر الإنترنت بطرق عدة متطورة. تمكننا هذه الشبكة العملاقة من الأجهزة الذكية من جمع البيانات وتحليلها واستخدامها لتحسين جودة حياتنا اليومية وزيادة كفاءة العمليات التجارية والصناعية.

إنترنت الأشياء

فهل تخيلتَ يوماً أن تغادر منزلك وثلاجتُك فارغة، وعند عودتك تجدها قد حضرت لك قائمةً من الأغراض لشرائها من السوبر ماركت المجاور؟ أو هل تخيلتَ أن تقوم ساعتُك الذكية بمراقبة نشاطاتك الحيوية وإبلاغ طبيبك بكل مستجداتك الصحية؟ إنها ليست مجرد تخيلات، بل واقع بدأ يتشكل اليوم بفضل إنترنت الأشياء. من خلال هذا المقال سنأخذكم في رحلة لاستكشاف عالم إنترنت الأشياء، مبتدئين بتاريخه وتطوره، مروراً بمكوناته الأساسية وطريقة عمله، وصولاً إلى التطبيقات العملية والتحديات التي تواجهه. سنتعمق في فهم كيف تؤثر هذه التكنولوجيا على أمور حياتنا اليومية والمستقبلية، وأخيراً سنلقي نظرة على المستقبل متسائلين كيف سيؤثر إنترنت الأشياء على الأجيال القادمة والمجتمع ككل.

 

تاريخ وتطور إنترنت الأشياء

إنترنت الأشياء

ظهر مصطلح إنترنت الأشياء في بدايات القرن الواحد والعشرين تحديداً في عام 1999م على يد البريطاني كيفين أشتون، الذي كانت فكرته تطوير أنظمة تحليل البيانات لدى الحاسوب باستخدام الأجهزة الطرفية المساعدة كأجهزة الاستشعار والمراقبة، وربطها مع بعض عن طريق شبكة الإنترنت. وعلى الرغم من حداثة المصطلح، إلا أنه موجود منذ عام 1974م، وذلك بسبب ظهور أجهزة الصراف الآلي والتي كانت مرتبطة مع البنوك الخاصة بها عن طريق شبكة برمجية معدة لذلك.

وعلى الرغم من هذا القدم، فإن الدراسات أشارت إلى أن نسبة كبيرة من المستخدمين لم يكونوا على دراية بالمصطلح حتى عام 2015م، ومع التطور التكنولوجي الكبير وانتشار أجهزة الهواتف المحمولة والساعات الذكية، وتطور تكنولوجيا الاتصالات والأجيال اللاحقة لها، توسعت إمكانيات إنترنت الأشياء بشكل كبير، وأصبحت جميع الأجهزة الذكية التي يمكنها الوصول إلى الإنترنت جزءاً من هذا النظام المترابط. يعتبر اليوم إنترنت الأشياء ثورةً رقميةً وليس فقط تطوراً رقمياً يعيد تشكيل كيفية تفاعلنا مع العالم من حولنا.

المكونات الأساسية لإنترنت الأشياء وكيفية عمله

يعتبر نظام إنترنت الأشياء نظاماً معقداً ويتكون من عدة مكونات رئيسية تعمل مع بعضها البعض بشكل متكامل لتحقيق التفاعل والتكامل بين الأجهزة وما تقدمه من خدمات.

وتقسم هذه المكونات إلى أربعة أجزاء رئيسية:

مكونات الاستشعار والتضمين:

تعتبر من الطبقات المهمة لشبكة إنترنت الأشياء حيث أنها تكون من عدة أجهزة صغيرة تشكل جزءاً من الجهاز الكلي وتكون مدمجة فيه، وتكون مسؤولة عن جمع البيانات الدقيقة من البيئة المحيطة وإرسالها للمشغلات التي تقوم بالتحكم باستجابة الأجهزة للبيانات المكتشفة.

الاتصال:

يعتبر جزءاً حيوياً يربط بين الأجهزة والخدمات حيث أن جميع أجهزة إنترنت الأشياء تتطلب وسيطاً للنقل، وهنا تأتي فائدة البروتوكولات الشبكية التي تسمح للأجهزة بالتواصل فيما بينها، وتشمل البروتوكولات الاتصال الشائعة wife وBluetooth.

سحابة تخزين البيانات:

بعد أن يتم جمع البيانات من أجهزة الاستشعار ونقلها عن طريق وسيط الاتصال إلى سحابة التخزين، والتي تعتبر مركزاً لتخزين ومعالجة البيانات، حيث يتم فيها تجميع البيانات ودراستها واتخاذ القرار المناسب بناءً على البيانات الواردة من أجهزة الاستشعار. يمكن أيضاً تحليل تلك البيانات لتحسين الخدمات المقدمة من تلك الأجهزة.

أجهزة المستخدم النهائي وواجهة المستخدم:

تعد واجهة المستخدم الطريقة التي يتفاعل بها المستخدمون مع نظام إنترنت الأشياء، تشمل التطبيقات والأجهزة التي تمكن المستخدمين من عرض وتحليل البيانات والتحكم في الأجهزة.

من خلال تكامل هذه المكونات مع بعضها البعض، يمكن لإنترنت الأشياء أن يحدث ثورة في الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتفاعل مع العالم من حولنا.

 

التطبيقات العملية لإنترنت الأشياء

تتنوع تطبيقاته بشكل كبير لتشمل مجالات مثل الصحة والصناعة والزراعة والنقل وإدارة المدن الذكية، وهي كالتالي:

 

في مجال الصحة:

يستخدم تطبيقات إنترنت الأشياء لمراقبة المرضى وتتبع حالتهم عن بعد، وتوفير بيانات دقيقة عن المعلومات الحيوية للمرضى مثل معدل ضربات القلب ومستوى أكسجين الدم والضغط ودرجة الحرارة، ويُرسل تنبيهات فورية إلى غرفة الطوارئ في حال حدوث أي عارض صحي خطير للمريض.

في مجال الصناعة:

يمكن لإنترنت الأشياء أن يحسن الإنتاج من خلال زيادة الدقة في عملية التحكم والأتمتة للعمليات الصناعية، كما أنه قادر على التنبؤ بالأعطال قبل حدوثها وإرسال التنبيهات لفرق الصيانة الفنية من أجل إجراء عملية الكشف على الآلات المتوقع حدوث أعطال بها.

في مجال الزراعة:

يُستخدم أجهزة الاستشعار لمراقبة الظروف الجوية من رطوبة وحرارة، ومراقبة المحاصيل الزراعية وإرسال تقارير بشكلٍ آني إلى المزارع، مما يمكنه من تحسين الإنتاج والتغلب على الأمراض التي قد تصيب المحاصيل وتضر بها.

في مجال النقل:

يمكن استخدام وسائل إنترنت الأشياء مثل الكاميرات والرادارات الذكية الطرقية لتحسين خدمات النقل. فهي توفر بيانات حية عن حركة المرور وتحدد أي الطرق أكثر ازدحاماً من غيرها، كما يمكنها إرسال التنبيهات الفورية للإدارات المرورية وفرق الطوارئ في حالة حدوث أي حادث مروري، مما يساهم في التقليل من الأضرار الناتجة عنه قدر الإمكان وزيادة تحسين السلامة العامة على الطرق.

في مجال إدارة المدن الذكية:

يتم استخدام تقنيات لمراقبة جودة الهواء والطقس وإدارة النفايات، وتوفير مرافق للسيارات الذكية وتحسين استجابة الطوارئ.

وعلى ما ذكرناه سابقاً، يتبين لنا كيف يمكن لإنترنت الأشياء أن يحدث تحولاً جذرياً في العديد من القطاعات وتعزيز قدرتنا على التفاعل مع العالم من حولنا بطريقة أكثر ذكاء وكفاءة. ويمكننا أن نتوقع أن يستمر التطور في تطبيقاته ليشمل قطاعات أكثر، والتي ستغير وجه الحياة اليومية والأعمال التجارية.

التحديات والمخاوف الأمنية لإنترنت الأشياء

مع اعتمادنا المتزايد على الأجهزة الذكية والتقنيات الحديثة التي باتت تشاركنا جميع مفاصل حياتنا، تبرز مجموعة من التحديات والمخاوف الأمنية التي يجب معالجتها وتجنب الوقوع في شراكها.

وتشمل هذه التحديات:

نقص تشفير البيانات المخزنة في أجهزة إنترنت الأشياء:

يعتبر التشفير من أهم الوسائل لصد هجمات المتسللين وخط الدفاع الأول ضدهم، حيث يمثل عملية تحويل البيانات من شكلها المقروء إلى شكل مرمز غير مفهوم. وفي حالة إرسال تلك البيانات إلى طرف آخر يرغب بقراءتها، يجب أن يمتلك مفاتيح فك تلك الشفرة لإعادتها لشكلها المقروء. وبالتالي، فإن النقص أو الأخطاء في عملية التشفير قد يعرض البيانات للخطر.

اختبار وتحديث غير كافيين:

مع ازدياد الطلب على الأجهزة الذكية، بدأت المصانع بزيادة كميات الإنتاج دون إجراء اختبارات أمنية شاملة لتلك الأجهزة، مما يجعلها أكثر عرضة لخطر وجود الثغرات الأمنية فيها. كما أن عملية الاهتمام بإرسال التحديثات الأمنية لتلك الأجهزة لم تعد كافية لسد جميع الثغرات، مما يجعلها عرضة للاختراق ومشكلات الأمان.

كلمة المرور الافتراضية لأجهزة إنترنت الأشياء:

يجهل الكثير من المستخدمين ضرورة تعديل كلمات المرور الافتراضية بعد شرائهم الأجهزة، مما يجعلها عرضة لخطر التعرض للهجمات وسرقة محتوياتها.

برامج الفدية والبرمجيات الضارة:

يمكن للمهاجمين استخدام وسائل متطورة تعتمد على خوارزميات ذات مستوى عالي لاختراق الأجهزة الذكية وزرع البرامج الضارة فيها، مما يؤدي إلى تضرر تلك الأجهزة وفقدان البيانات فيها جزئياً في حالة استخدام برامج طلب الفدية أو كلياً في حالة استخدام فيروسات أو غيرها من البرامج الضارة.

الروبوتات التي تهدف إلى العملة المشفرة:

كما في المثال السابق، يتم استخدام خوارزميات عالية المستوى تهاجم الأجهزة الذكية. ولكن في حالتنا هذه، لا يتم استخدامها لإلحاق الضرر بالبيانات أو الجهاز، إنما تهدف إلى استخدام موارد الجهاز بشكل كامل في عملية تعدين العملة المشفرة. وتؤدي هذه العملية مع الوقت إلى تضرر الجهاز حتى يتوقف عن العمل.

قابلية التعرض لهجمات الشبكات:

إن جميع عمليات التواصل بين الأجهزة الذكية، التي تشكل البنية الأساسية لنظام إنترنت الأشياء، تتم عن طريق الشبكات بين الأجهزة. وبالتالي، فإن نقاط الضعف التي يستغلها المهاجمون لدى هذه الشبكات تؤدي إلى تعطيلها أو فقدان البيانات المرسلة من خلالها، مما يخل بالنظام ويؤدي إلى تعطله في بعض الحالات وتوقف خدماته.

هذه التحديات تتطلب استجابات متعددة الأوجه تشمل تحسين التشفير وتطوير البروتوكولات أمنية أقوى وتعزيز الوعي الأمني بين المستخدمين وتطوير الاستراتيجيات للتعامل مع الهجمات الأمنية والحفاظ على خصوصية البيانات.

 

مستقبل إنترنت الأشياء

يعتبر إنترنت الأشياء من أبرز الابتكارات التي تشكل مستقبل التفاعل البشري مع الأجهزة والأنظمة. كما يتوقع أن يُحدث التطور في هذا المجال تغييرات جوهرية في العديد من الصناعات والخدمات، مما يؤدي إلى خلق عالم أكثر ذكاءً وترابطاً، حيث إنه مع تقدم الزمن ستصبح الأجهزة الذكية أكثر قدرة على تحليل البيانات وخلق التفاعل مع البيئة المحيطة وأكثر تطوراً في اتخاذ القرارات، وستصبح البيانات التي تجمعها أكثر دقة وقيمة، مما يساعد في تحسين جودة الحياة والكفاءة في استخدام الموارد وتعزيز الاستدامة البيئية.

وفي ختام رحلتنا الاستكشافية لعالم إنترنت الأشياء، نجد أنفسنا نقف على أعتاب مستقبل يعدنا بالتكامل والتواصل بين كل ما هو مادي ورقمي. لقد شاهدنا كيف يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحدث ثورة في حياتنا اليومية وتسهم في تحقيق قفزات نوعية في مختلف القطاعات.

أدعوكم في نهاية هذا المقال أن تشاركوني آرائكم وتصوراتكم حول تأثير إنترنت الأشياء على مستقبلنا. وهل هناك جوانب أثارت حماسكم أو بعثت فيكم القلق؟ ما هي الفرص التي ترونها وما هي التحديات التي تتوقعونها؟ شاركوني تعليقاتكم لنتحاور معاً في بناء رؤية ومشتركة لمستقبل يزهر بالابتكار والأمان.

شاهد أيضاً: الأسرار التي تجمعها شبكات التواصل الاجتماعي عنا