في عالمٍ يزخر بالمعلومات ويعج بالبيانات، تبرز وسائل التواصل الاجتماعي كعمالقة التنقيب الذين لا يكلون ولا يملون. فوراء كل نقرة، وكل تمريرة، وكل إعجاب، قصة تُروى، ووراء كل ضغطة وكل مشاركة، لغز معقد يُعاد تركيبه ليُشكل صورة دقيقة عن سلوكياتنا وتفضيلاتنا. فهم كمناجم ذهب لا تنضب من البيانات، تعمل بلا كلل لتحليل كل إشارة وكل سلوك نرسله لهم، سواءً كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لتقدم لنا تجربة مخصصة تناسب اهتماماتنا الفردية.
ولكن، كيف تترجم هذه الأفعال البسيطة إلى تجارب شخصية مصممة لتناسب كل فرد منا؟ وكيف تتم هذه العملية بالضبط؟
هيا بنا لنستكشف سويةً عالم التنقيب عن البيانات ونكشف النقاب عن الأساليب التي تستخدمها وسائل التواصل الاجتماعي لتحليل سلوكنا، ونعرف كيف تسهم هذه المعلومات في صياغة تجربة رقمية تتسم بالشخصية والتفرد.
يُقسم التنقيب عن البيانات إلى ثلاث مراحل نشرحها لكم بالتفصيل وفق التالي:
آليات جمع البيانات:
تعتبر هذه العملية الأولى لفهم السلوك الخاص بك. يتم في هذه العملية مراقبة جميع التفاعلات التي تقوم بها يومياً، حيث إن كل نقرة أو تعليق تعبر به عن رأيك بشيء ما، أو منشور تشاركه، يتم تسجيله كجزء من مجموعة بياناتك الشخصية ليتم تحليلها تحليلًا دقيقًا لفهم ما تفضله أو تتجنبه.
ويتم ذلك باستخدام طريقتين:
- عن طريق الواجهات البرمجية (Application Programming Interface ): تتيح بعض وسائل التواصل الاجتماعي واجهات برمجية يُرمز لها اختصارًا بـ APIs، يتم من خلالها تسجيل و أرشفة تفاعلات كل مستخدم وتحتفظ بها ضمن مجموعات منظمة ذات وسوم مختلفة كالهاشتاغات أو التغريدات أو المشاركات، وتسجل التفاعلات مع المحتوى الذي تقوم بنشره أيضاً على صفحاتك الشخصية.
- استخدام برامج ومواقع جاهزة لجلب البيانات: تعتبر هذه الطريقة مشابهة للطريقة السابقة ولكن تعتمد على برمجيات تم إنشاؤها من قبل مطورين آخرين من خارج الشركة المالكة لمواقع التواصل. حيث يتيح هؤلاء المطورون برامج ذات واجهات بسيطة يمكن استخدامها بسهولة أكبر من قبل المستخدمين ولها نفس آلية عمل تطبيقات الطريقة الأولى من تسجيل وأرشفة جميع تفاعلات المستخدمين ولكن قد يكون لهذه الطريقة بعض القيود كارتفاع سعرها أو عدم تلبيتها المتطلبات بشكل كامل.
شاهد أيضاً: تنفيذ مشروع برمجي بالخطوات … حوّل مشروعك من فكرة إلى حقيقة
باستخدام تلك الطريقتين، يتم جمع البيانات وتخزينها وتجهيزها للانتقال إلى المرحلة التالية من عملية التنقيب.
تحليل البيانات والتعلم الآلي:
يتم في هذه المرحلة استخدام الخوارزميات الأكثر تطوراً لفهم البيانات المجمعة من الطريقة السابقة وتكون معتمدة بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي ليتم استخلاص البيانات الأكثر أهمية لتخصيص تجربتك كمستخدم. فعند قيامك بالتفاعل مع محتوى ما بشكل متكرر، تفهم الخوارزميات أن ذلك المحتوى يثير اهتمامك، فتبدأ تلقائياً بزيادة ظهوره في حائط آخر المنشورات لديك، أو عند إرسالك طلب صداقة أو مراسلة وتبدأ بتكوين دائرة معارفك، تبدأ تلك الخوارزميات باقتراح الأصدقاء الذين قد تعرفهم وفقاً لما تراه مناسباً لك. وعليه، تبني تلك الخوارزميات صورة حقيقية لشخصيتك وتبقى في حالة تتبع دائم لك وتتعلم منك الأنماط الجديدة لتحسين دقة تحليلاتها وتعديل النماذج الحسابية وفقاً لذلك.
التخصيص والتجربة الشخصية:
وتعتبر المرحلة الأخيرة في عملية التنقيب عن البيانات حيث تستفيد المنصات من تحليل الخوارزميات، كما ذكرنا سابقاً، بتحديد اهتمامك كمستخدم وتفضيلاتك. وبناءً على هذه المعلومات، تقوم المنصة بتعديل ما يظهر لك في آخر الأخبار من منشورات وإعلانات لتعكس ما تراه مثيراً لاهتمامك أو مفيداً لك. مما يؤدي إلى زيادة الوقت الذي تقضيه على المنصة وزيادة ظهور الإعلانات المخصصة لك وخلق تجربة أكثر تفاعلية وملاءمة لزيادة رضاك وولائك للمنصة.
ولكن مع كل هذا التطور في عملية التنقيب عن البيانات، تأتي المخاوف من الأمان والخصوصية. وتعد حماية بيانات المستخدمين واحترام خصوصيتهم من أكبر التحديات التي تواجهها منصات التواصل الاجتماعي. فهي تعمل بجهد كبير لحماية تلك البيانات وابتكار الطرق وأنظمة الحماية المناسبة لصد هجمات الهاكرز بكل أنواعهم للمحافظة على معلوماتنا الشخصية بأمان بعيداً عن المتطفلين.
في نهاية المطاف، يقع على عاتقنا كمستخدمين لتلك المنصات مسؤولية التنقل بحذر في هذا العالم الرقمي الواسع وأن نكون على درجة عالية من الوعي والإدراك للآثار المترتبة على مشاركة بياناتنا على تلك المنصات. أتمنى أن أكون قد ساعدتك في استكشاف الطرق التي تستخدمها منصات التواصل الاجتماعي لتحسين تجربتك الشخصية، كما أود أن أشجعك على استخدام هذه المنصات بطريقة تحافظ بها على خصوصيتك وأمانك الرقمي ومتابعة الأخبار المتعلقة بكيفية حماية بياناتك من السرقة.
شاركنا رأيك: هل أثرت معرفتك بالتنقيب عن البيانات على تفاعلك مع شبكات التواصل؟ نتطلع لقراءة تعليقاتك ومناقشتها معك.
التعليقات 1
اضف تعليق