قبل عام 2014، لم يكن مصطلح “الصناعة 4.0” موجوداً في بحث جوجل عملياً، ولكن بحلول عام 2019، أصبح المصطلح شائعاً، واعتبر 68 % من المشاركين في استطلاع عالمي أجرته شركة ماكينزي غلوبال أن “الصناعة 4.0” تمثل أولوية استراتيجية قصوى. وقال 70% منهم إن شركاتهم قد بدأت بالفعل في تجربة أو نشر تكنولوجيا جديدة. سنحاول في هذا المقال فهم مصطلح الثورة الصناعية الرابعة وخصائصها.

متى ظهر مصطلح الثورة الصناعية الرابعة؟

طُرحَ مصطلح الثورة الصناعية الرابعة لأول مرة في 25 يناير عام 2011 من قبل “مجموعة تعزيز الاتصالات” التابع لاتحاد أبحاث الاقتصاد والعلوم في اقتراحها المقدَّم إلى الحكومة الألمانية لتبني مشروع الصناعة 4.0 في عمل ألمانيا في المستقبل. شرحت تلك الدراسة المقدَّمة من العلماء الألمان الممثلين لقطاعات الأعمال والسياسة والعلوم كيف سيحدث التحول النموذجي في الصناعة بحلول عام 2020، وكيف ستصبح نماذج الأعمال الجديدة القائمة على الأنظمة المادية السيبرانية ممكنة، وكيف يمكن لألمانيا أن تلعب فيها دور ” الكمان الأول”! وفي العام نفسه، عُرِضَت الصناعة 4.0 للعامّة في معرض هانوفر التجاري.

ثم قدم كلاوس شوب Klaus Schwab الرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي WEF هذا المصطلح إلى جمهور أوسع في مقال نشر عام 2015 في مجلة فورين أفيرز Foreign Affairs، ليتحول عنوان ” إتقان الثورة الصناعية الرابعة” إلى موضوع الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2016 في دافوس.

ما المفهوم العامّ للثورة الصناعية الرابعة والصناعة 4.0 ؟

تُعتبر الصناعة 4.0 أصل الثورة الصناعية الرابعة، وهي مزيج من تقنيات الإنتاج الرائدة والأنظمة الذكية التي تتكامل مع المنظمات والأفراد، وقد وصفها كلاوس شواب في كتابه ( الثورة الصناعية الرابعة) بأنها تخلق عالماً تتعاون فيه أنظمة التصنيع الافتراضية والمادية مع بعضها البعض بطريقة مرنة على المستوى العالمي.

وكان كلاوس سبق وأشار في مقالته ” إتقان الثورة الصناعية الرابعة” إلى أنه تماماً كما عملت الثورات الصناعية الثلاث السابقة على تغيير الطريقة التي يقوم بها البشر بإنشاء القيمة وتبادلها وتوزيعها، فإنَّ تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي وتحرير الجينوم والواقع المعزز والروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد سوف تحدث تحولاً عميقاً في المؤسسات والصناعات والأفراد مدفوعةً إلى حد كبير بتقارب الابتكارات الرقمية والبيولوجية والمادية، فنحن نوسع قدرتنا على تعديل العناصر الأساسية للحياة بشكل كبير من خلال التسلسل الجيني منخفض التكلفة وتقنيات مثل CRISPR، ونشهد اليوم كيف يعمل الذكاء الاصطناعي على زيادة العمليات والمهارات في كل صناعة، ونرى التكنولوجيا العصبية تخطو خطوات غير مسبوقة في فهم كيفية استخدام الدماغ والتأثير عليه باعتباره آخر الحدود في علم الأحياء البشري، وفي الوقت نفسه تعمل الأتمتة على تعطيل نماذج النقل والتصنيع القائمة منذ قرن من الزمن، وتعمل تقنيات مثل blockchain المستخدمة في تنفيذ معاملات العملة المشفرة، وكذلك المواد الذكية على إعادة تعريف الحدود بين العالمين الرقمي والمادي وطمسها.

ما الذي يميز الثورة الصناعية الرابعة عن سابقاتها من الثورات الصناعية الثلاث؟

حدثت الثورة الصناعية الأولى في نهاية القرن الثامن عشر عام 1784، باختراع الآلة البخارية واعتُبِر تشغيل أول نول آلي آنذاك بمثابة نقطة تحول ثم عملت الكهرباء على نشوء الثورة الصناعية الثانية عام 1870 والتي تميزت بالإنتاج الضخم، واختراع خط التجميع وتسارع التصنيع، وفي أواخر القرن العشرين أدى التقدم في مجال الحوسبة إلى برمجة الآلة، ودخل التصنيع والإنتاج مرحلة جديدة سميت بالثورة الصناعية الثالثة أو الثورة الرقمية، مما فتح الباب أمام الأتمتة المتقدمة.

وتعتمد الثورة الصناعية الرابعة على اختراعات الثورة الرقمية التي قدمت إلينا أجهزة الكمبيوتر وأنواعاً أخرى من الالكترونيات والانترنت وغيرها الكثير من التقنيات، لكن من الخطأ الاعتقاد بأن الثورة الصناعية الرابعة تتعلق بالآلات والأنظمة الذكية فقط، فالحقيقة هي أن هذه الثورة تُحدِث في ذات الوقت موجات من الإنجازات الإضافية في مجالات تتراوح من التسلسل الجيني إلى تكنولوجيا النانو، ومن الطاقات المتجددة إلى الحوسبة الكمية. إنَّ اندماج هذه التقنيات وتفاعلها عبر المجالات الفيزيائية والرقمية والبيولوجية هو الذي يجعل الثورة الصناعية الرابعة مختلفة جذرياً عن الثورات السابقة.

ما التقنيات المستخدمة في الصناعة 4.0؟

تعتمد الصناعة 4.0 على الذكاء الاصطناعي وكل ما أنتجته الثورة الرقمية من اختراعات، لكنها تعمل على جلب هذه الاختراعات إلى ما هو أبعد من نطاق إمكانياتها السابقة لتستخدمه في التحول الشامل لسوق العمل والاقتصاد والمجتمع، ويمكن إيجاز التقنيات التي تعتمد عليها هذه الصناعة في الأنواع الخمسة الآتية:

  • انترنت الأشياء
  • الروبوتات
  • الواقع المعزّز والواقع الافتراضي
  • البيانات الضخمة
  • الطباعة الثلاثية الأبعاد والرباعية الأبعاد

ما هي الصناعات التي سيتمُّ تحويلها بواسطة الصناعة 4.0؟

يمكننا القول إنَّ كلَّ صناعةٍ سوف تشهد تحوّلاً خلال الثورة الصناعية الرابعة ولكن بدرجات متفاوتة، ستختلف طبيعة التحوّل إلى الصناعة 4.0 باختلاف التكنولوجيا المعتمدة في المنظمات، ومع ذلك فإنَّ بعض الحلول الرقمية والواقع المعزّز والأتمتة غير المكلفة سيكون بالإمكان اعتمادها بسرعة دون أيّ مشاكل، في الوقت الذي سيكون فيه تبنيّ أحدث الابتكارات -مثل الأتمتة الكاملة- بطيئاً بسبب ارتفاع مستوى الإنفاق في رأس المال المطلوب وعدم وضوح المردود على المدى الطويل، لكنَّ هذا التحول حتميٌّ بالضرورة، فقد أشار معهد ماكينزي العالمي في موقعه على الانترنت في دراسة أجراها عام 2018 إلى أنه يمكن للمتبنّين الأوائل لصناعة 4.0 -الذين يسعون إلى اعتماد الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتقدمة- يمكنهم بحلول عام 2025 أن يتوقعوا تغيراً إيجابياً في التدفق النقدي بنسبة 122% ويمكن للشركات التابعة أن تتوقع انخفاضاً في التدفق النقدي لا يزيد عن 10% فقط، في حين أنَّ الشركات التي ستفشل تماماً في اعتماد الذكاء الاصطناعي يمكن أن تشهد تراجعاً بنسبة 23%!