خلال القرن الواحد و العشرين ظهر مصطلح الاحتراق الوظيفي و أصبح حديث الناس لإنتشاره على نطاق واسع، ولكن يعود ظهور هذا المصطلح الى عام 1974 ميلادي، و الذي قام بإختراعه المعالج النفسي هربرت فرودنبرجر و شرح أسبابه و طرق علاجه.

الاحتراق الوظيفي تعريفه

تعريف الاحتراق الوظيفي:

الاحتراق الوظيفي هو عبارة عن حالة إرهاق جسدية و نفسية،ناتجة عن ضغوط مستمرة في العمل.حيث أن التعرض لهذه الضغوط لفترة طويلة يؤدي الى الشعور بتلبد في المشاعر،عدم الرغبة بالقيام بأي انجازات في العمل ، الشعور بالغضب بسرعة بغض النظر عن حجم الموقف , الشعور بالصداع بالإضافة الى الآلام جسدية أخرى،التململ ،انخفاض في الطاقة و عدم الرغبة بالقيام بأي عمل أو إنجاز الواجبات الوظيفية بالحد الأدنى المطلوب مما يعرف أيضاً بمصطلح الاستقالة الصامتة مما يعني ظهور عوارض الاحتراق الوظيفي ؛أي أن الموظف لم يعد يحتمل القيام بمهامه بالشكل الكامل و من أكثر الأعراض المؤذية للاحتراق الوظيفي هي الشعور بالتوتر الدائم و عدم الإرتياح حيث أن مصدره نفسي أكثر مما هو جسدي، و كمثال على الاحتراق الوظيفي :لنقل أن الشخص الذي نتكلم عنه هو محاسب في شركة ما ، و مهمته الأساسية إدارة أموال الشركة و لكن بسبب ضغوط العمل الكثيرة الغير محتملة أصبح مهملاً، بطيئ في العمل ، يؤجل أعماله و يتجاوز وقت تسليم الحسابات و ازدياد الأخطاء مما أدى إلى حدوث فوضى في حسابات الشركة ، و لكن ما سبب هذا الاحتراق الوظيفي الحاصل لهذا الفرد و طرق علاجه ؟

اسباب الاحتراق الوظيفي

أسباب الاحتراق الوظيفي:

هذه الأسباب هي في الأساس نتيجة لوجود بيئة عمل غير مناسبة للموظفين أو سامة كما تسمى حديثاً تؤدي للاحتراق الوظيفي، و تختلف بإختلاف درجة السمية الموجودة في العمل كإنعدام التقدير، النزاعات بين الزملاء أو الإدارة، شح المكافأت و أخيراُ عدم تكافؤ الراتب مع الوضع المعيشي، و هنا سوف نطلع عليهم اليوم بالتفصيل في مقالنا هذا.

  • أعباء العمل الثقيلة تؤدي للاحتراق الوظيفي:

كثرة و صعوبة المهام الوظيفية و أحياناً استحالة تنفيذها أو القرارات و الإجراءات الصعبة يمكن أن تشكل مصدر توتر للموظف أو كمية المهام المطلوبة تتعارض مع وقت العمل المزدحم و الضيق مما يؤدي إلى اضطرار الموظف للعمل بشكل متواصل من دون استراحة و الذي يشكل ضغط جسدي و نفسي على الموظف و بذلك تمهيد الطريق للاحتراق الوظيفي،حيث أن حرمان الموظف من وقت عطلته لإتمام عمله يؤدي إلى شعوره بالغضب و خاصة إذا لم يكن هنالك محفزات من أجل الإستمرار، بالإضافة إذا كانت تلك المهام لا تناسب و لا تتوافق مع قدراته و خبراته.

  • عدم إدماج الموظفين:

إن عدم مشاركة الموظفين بصناعة القرار و إبقاء الموظفين على إطلاع بأداء الشركة و التواصل معهم بما يخص تعديل و تطوير كافة الإجراءات و الأخذ برأيهم و إظهار الجانب الإبداعي لديهم و تشجيعهم للتواصل وتعزيز دورهم برفع مستوى العمل يمكن أن يمهد الطريق الى الشعور بالاحتراق الوظيفي و كما تعد من أشد أسباب الاحتراق الوظيفي،حيث أن الموظف الذي يشعر بمستوى عالي من التفاني و الحماس تجاه المؤسسة التي يعمل فيها غالباً ما يكون أكثر إنتاجية و ذو أداء عالي نتيجة لتشجيعه و تحفيزه معنويا ،و لكن عندما تكون النتيجة عكسية لا يوجد تواصل مع الموظفين و لا تقدير لجهودهم أحياناً تسهم بتحويل الموظف إلى شخص منغلق، يشعر بالكآبة و الملل تجاه عمله ،و هذه العوارض تشير الى الاحتراق الوظيفي ،و كأن العمل مفروض عليه من أجل المقابل المادي فقط و ليس من أجل تطوير شخصيته و أدائه و قدراته المعرفية.

  • المكافأت :

إن الغالبية العظمى من البشر أي بحوالي 80 % تعمل من أجل المقابل المادي ،بالإضافة إلى تطوير خبراتهم العملية و العلمية ،و لكن ما مدى انعكاس تأثير الجانب المادي على حياة الموظف النفسية أو الحياتية ككل؟ إن من أهم أسباب الاحتراق الوظيفي هو عدم إحساس الموظف بالتقدير او مكافأته على عمله حين ينجز المهام الصعبة أو عند قيامه بحل مشكلة معقدة في العمل أو أن تكون كمية العمل كثيرة و المقابل المادي قليل، بالإضافة إلى عدم وجود محفزات مادية أخرى كبدلات مالية إضافية عند وجود مناسبة ما، لذلك في عصرنا هذا يمكن القول أن العالم بأسره يتأثر بالمال و من أكثر الجوانب المسببة للقلق له هو الوضع المادي، و إن وجود بعض العوائق المادية التي تؤدي للاحتراق الوظيفي يمكن أن تسبب ضغوط نفسية للإنسان مما ينتج عنه مزاج سيئ و عدم دقة في العمل.

  • المحيط الإجتماعي:

إن عدم وجود محيط مريح نفسيا و داعم خاصة من زملاء العمل يمكن أن يؤدي للاحتراق الوظيفي، لأن المحيط يعد من الأسباب المهمة لراحة الموظف، ووجود بيئة عمل سامة مع الزملاء يمكن أن تؤدي الى وجود بعض المشاحنات أو المحاباة بين بعضهم،كما أن الجو العائلي المريح الذي يمكن أن يشعر الموظف بأنه بين عائلته يمكن أن يسعده و يرفع من أدائه و العكس صحيح الجو السام يمكن أن يحبط الموظف و يؤدي إلى تراجع في ادائه و أيضاً إلى محاولة هروبه من هذا المحيط.

  • الرفض المتكرر:

عدم تطوير مهارات الموظف و إبقائه على حاله لمدة طويلة جداً من الزمن يمكن أن تؤدي إلى إحباطه الشديد تجاه مكان العمل،عدم رغبته بتقديم أفضل ما لديه،حالة من فقدان الشغف ،الملل من المهام المتكررة عبر السنين،الغضب في أوقات معينة لأتفه الأسباب، لذلك يجب تطوير مهارات الموظفين بشكل دوري تفادياً لشعورهم بالإحباط ،لأن هذا الشعور يؤثر في سير العمل ،و لا ننسى أن الموظفين هم المحراك الأولي لعمل الشركة.

طرق علاج الاحتراق الوظيفي

طرق علاج الاحتراق الوظيفي:

  • طلب الدعم من أجل محاربة الاحتراق الوظيفي:

من أكثر الطرق فعالية لعلاج الاحتراق الوظيفي هو طلب الدعم من أفراد العائلة أو الأصدقاء ، لأن تمضية الوقت معهم أو شرح مشاكلك لهم و طلب النصح يخفف من الضغط النفسي الحاصل لك الذي يعود أسبابه من العمل،حيث كما يؤكد موقع بزنس إنسايدر أن التواصل مع العائلة و الأصدقاء يمكن أن يخفف من الأعباء النفسية الثقيلة الناجمة عن الضغوط الحياتية  أو ضغوط العمل الناجمة عن الاحتراق الوظيفي.

  • العزلة مع النفس:

ان فوائد العزلة النفسية لها الكثير من التأثير على الحالة النفسية للشخص ، لأنها تسهم في صفاء ذهن الفرد، و إعادة التفكير و التساؤل هل هذه الأعراض النفسية هي نتيجة للاحتراق الوظيفي أم أنها نتيجة السعي للكمال حيث أن بعض الأشخاص يسعون للكمالية في العمل و يرفعون سقف توقعاتهم، و لكن عند عدم الحصول على النتائج المرجوة يتحول الشخص إلى شخص غاضب مكتئب، فلذلك العزلة النفسية تساعد في اكتشاف الفرد إذا كانت تلك الاعراض النفسية نتيجة للاحتراق الوظيفي أو لسبب آخر.

  • أخذ قسط من الراحة :

إن الإستمرار في العمل من دون أخذ أيام عطل يمكن أن يكون من الأسباب الرئيسية للاحتراق الوظيفي, لذلك أخذ قسط من الراحة و قضاء وقت بعيداً عن العمل للأستجمام يساهم في تحسين مزاج الفرد و التخفيف من الأعراض النفسية الحاصلة له.

  • تنظيم الأولويات :

أحياناً التفاني الغير مشروط في العمل وإهمال الأمور الحياتية الأخرى يمكن أن تمهد الطريق لحدوث الإحتراق الوظيفي،لذا يجب على المرء الأهتمام بكافة جوانب حياته و عدم تفضيل جانب على حساب جانب آخر و ترتيب أولوياته و تنظيم وقته بين العمل و المنزل وأوقات الفراغ.

  • الإستقالة:

يلجأ المرء بسبب ضخامة الضغط النفسي الناتج عن الاحتراق الوظيفي إلى مغادرة مكان العمل و تركه لما سببه من أذى نفسي و جسدي ،وكثرة الضغوطات تجبر الإنسان على ترك مكان العمل السام و البحث عن مكان أفضل بغض النظر عن الجانب المادي، و لأن بعض التصرفات التي تحصل في العمل تؤذي الانسان بشدة و تدفعه لاتخاذ قرارات صعبة و منها الإستقالة.

  • الإستعانة بأخصائي نفسي:

ليس من المعيب الأستعانة بأخصائي نفسي، بسبب أن الاحتراق الوظيفي له تأثيرات نفسية سيئة تنعكس على حالة الإنسان بشدة ،يمكن أن توصله إلى الاكتئاب الحاد مما يعطل حياته من كافة الجوانب و عدم رغبته بالقيام بأي عمل يومي يخص العمل أو خارجه، وهنا يجب أن نتعامل مع هذه الأعراض المرتبطة به كمشكلة نفسية يجب معالجتها.

  • ممارسة الرياضة :

تعد ممارسة الرياضة من أهم النشاطات المفيدة المناسبة لتفريغ الغضب و الطاقة السلبية، مما لها أثر على صحة الإنسان حيث تساهم بتحسين مزاج الإنسان و تخفيف الغضب الحاصل نتيجة الضغوطات المرتبطة بحالة الاحتراق الوظيفي،و من أهم هذه الرياضات الملاكمة أو رفع الأثقال،و ينصح بهذه الرياضات خصيصاً لتفريغ الطاقة السلبية.

  • التواصل مع أرباب العمل لمناقشة مشكلة الاحتراق الوظيفي:

من الأمور المفيدة هي التواصل بين الأشخاص ،كاقتراح يستطيع الموظفين طلب الإجتماع مع أرباب العمل لمناقشة كافة الأمور التي تزعجهم و محاولة الوصول الى حل وسط يرضي الطرفين ،و أن يتم إعلامهم عن الأعراض الحاصلة لهم المتعلقة بالاحتراق الوظيفي، لأن لغة الحوار تعتبر طريقة فعالة في إيجاد الحلول المناسبة بالإضافة لسد الثغرات و فك النزاعات، من هنا يتم مناقشة كافة الأمور من دون حصول خسائر في كلا الجهتين، كما أن الاحتراق الوظيفي يؤثر على الموظف و العمل على حد سواء.

في النهاية إنك المسؤول الوحيد عن صحتك النفسية و الجسدية،كمثال عليها أنها تعتبر ظاهرة الاحتراق الوظيفي خطيرة في الولايات المتحدة الأميركية لما لها تأثير على معدلات الإنتحار ، و حسب الاحصاءات فإن غالبية العمال و الموظفين الذين يمرون بهذه الحالة يميلون إلى الأفكار الإنتحارية و في بعض الحالات تؤدي إلى الإنتحار الفعلي ،لذلك يجب عليك أن لا تهمل الإشارات التي تدل على حدوث هذه المشكلة و العمل على علاجها في أسرع وقت حتى لا تتفاقم و تؤدي الى أعراض نفسية مزمنة، و لا ننسى أن أثر هذه المشكلة تؤثر في عائلتك و الجو المنزلي ككل، لذلك تعد أمر طارئ لا يستهان به.