تتثاءبُ مرةً تلو الأخرى، وما عاد تأجيل النوم خيارًا متاحًا مع أنك كنت تخطط لمشاهدة فيلم نتفلكس الجديد أو إكمال مهامك اليومية.. لذا تقررُ الاستسلام للسلطان الذي لا يُرفَض له أمرًا وتتجه نحو فراشك بهدوء.

واحد، اثنان، ثلاثة.. وتغرق في النوم العميق جدًا، مهلًا! ما الذي يفعله زوج عمتك على طاولة عشاء فاخر مع إبراهام لينكون في قاربٍ وسط بحرٍ من المعكرونة؟

ولماذا يحدق الجميع ببنطالك القصير وجواربيك الطويلان؟ ليس لديك وقتٌ للتفكير فامتحانك المصيري على وشك البدء بعد سبع ثوانٍ، اركض بسرعة! انتبه هناك جُرف على اليمين.. انسَ الأمر، لقد وقعت به بالفعل.

صباح الخير! كان مجرد حلمٍ غريب وما زلت في منزلك وسريرك الدافئ، يحدث هذا كثيرًا إن لم يكن بشكل يومي، الأحلام جانب مثيرٌ للاهتمام من ساعات النوم المخصصة للراحة، وقد يمتد تأثيرها حتى في ساعات الصحو إذا كانت ذات تفاصيل مؤثرة ولا تنسى.. قبل أن تتجه للبحث عن تفسير أحداث حلمك على الإنترنت، تعرف على كل يخص الأحلام هنا.

ما هي الأحلام؟

هي مشاهدٌ مفعمة بالأفكار والمشاعر تحدث أثناء النوم، يرى الباحثون أن ما يحدث داخل الحُلم هو مرتبط بالفرد ذاته وهي عبارة عن مزيجٍ من تجاربه ومخاوفه ورغباته وكل أفكار الصحو التي مرت على باله خلال النهار.

في معظم الحالات تكون الأحلام عبارة عن صورٍ تتغير بوتيرةٍ سريعة، قد تكون ملونة عند البعض وبيضاء وسوداء على الطراز القديم عند الآخر، كما قد تحوي على أحاسيس جسدية أخرى كالأصوات، ويمتلك الشخص المكفوف في أحلامه على مزيد من التفاصيل المتعلقة بالذوق والسمع والشم.

تعاكس الأحلام واقعنا فلا توجد قواعدٌ داخلها، وقد تشترك الأحلام العادية في بعض الخصائص المميزة التي تختلف عن أحلام اليقظة.

 خصائص الأحلام:

وجد عالم النفس الأمريكي والباحث في أسرار النوم آلان هوبسون بعد رحلته الطويلة في دراسة الأحلام خمسة خصائص غالبًا ما تتكرر فيها، وذكرها في كتابه (دماغ حالم)، وهي:

  1. مشاعر قوية: العواطف داخل الأحلام تكون مضاعفة وشديدة كما لو أنها خارج السيطرة المنطقية كالإحساس بالحرجِ أو الحزن، وقد تتكثف هذه المشاعر لدرجة أنها تؤدي لاستيقاظ الحالم فجأة وانقطاع الحلم، وغالبًا ما تكون إما خوفًا أو قلقًا أو صدمة.
  2. لا تنظيم، لا منطق: وفقًا لهوبسون فواحدة من الصفات المميزة أن الكثير من الأحلام لا تنطبق فيها قوانين الطبيعة في الوقت أو المكان أو الكائنات، فتكون بلا أساس واقعي. مثل الأحلام التي تنطوي على الطيران، التحولات المفاجئة، التحدث مع أشخاص وافتهم المنية، والسفر عبر الزمن.
  3.  تقبل الـ لا منطق: إذا اتصف حلمك بالخاصية السابقة فستجد نفسك متقبلًا للأحداث الغريبة التي تحصل دون شعورٍ بالشك حتى. وذلك بسبب قوة المشاعر والانغماس داخل الحلم لدرجة رؤية ما هو مريب كأمرٍ مألوف، وعندما تستيقظ ستجد كم من الغريب إنك تقبلت وجود بحر من المعكرونة!
  4. تجارب جديدة: يمنحك الحلم تجارب حسية لدرجة حقيقية قد لم يسبق لك أن شعرت بها فترة يقظتك، كالسقوط من مكانٍ مرتفع، والغرق، والركض ببطءٍ شديد…
  5.  فقدان ذاكرة: وجد الباحثون في النوم والأحلام أن ما يزيد عن 90% من الأحلام تُنسى بعد الاستيقاظ، ومهما حاولت التذكر فإن التفاصيل الموجودة في الحلم ستفلت من يديك.

متى يبدأ حلمك؟

يمكن أن يبدأ في أي مرحلة من مراحل النوم الخمسة، لكن تغزر الأحلام وتشتد في مرحلة حركة العين السريعة (REM) وهي التي يدخلها النائم خلال الـ 90 دقيقة الأولى من النوم، وتتكرر مرحلة حركة العين السريعة عدة مرات خلال الليل تبعًا لدورات النوم.

خلال هذه المرحلة يزداد النشاط الدماغي بشكلٍ كبير مقارنة بباقي المراحل ما يشكل أنواعًا مميزة من الأحلام، فغالبًا ما تكون أحلام هذه المرحلة واضحة وخيالية غريبة، أما في باقي المراحل فيميل الحلم لأن يرتكز بمكان ووقت وذكريات محددة.

لماذا تحلم؟

لحد الآن لا يعرف أحدٌ السبب على وجه الدقة، لكن وضع الباحثون عددًا من النظريات حول الأسباب التي تدفع الدماغ لنسج الأحلام:

  1.  مراجعة لما سبق: قد يكون محتوى الحلم صورًا مشوشة مرتبطة بالأحداث الأخيرة للحالم، يسترجعها الدماغ لتحليلها وفهمها.
  2. التدريب على المشاعر: قد يكون الخوض في الأحاسيس المختلفة والقدرة على الخوض بها تدريبًا من الدماغ على إدارة الاستجابات العاطفية.
  3.  تنظيف العقل: يمكن للدماغ أن يستغل فترات النوم في حذف المعلومات الغير ضرورية أو الخاطئة أو المزعجة.
  4.  أعراض ثانوية: إي أن الأحلام مجرد أثرٍ ليس له معنى أو هدف للنوم.

يستمر علماء مجال علم النفس والأعصاب في البحث عن سبب خلف الأحلام رغم صعوبة التجارب، إلا أنهم قد تأكدوا سواء كان الحلم مفهومًا أم لا فإنه مهمٌ للصحة العقلية والعاطفية والجسدية.

ففي تجربة مهمة قام بها الباحثون في إيقاظ الناس أثناء مرحلة حركة العين السريعة، فوجدوا أن أولئك الذين لم يُسمح لهم بالحلم تعرضوا خلال نهارهم لعدة أثار سلبية، مثل:

  •  توتر وقلق شديدين.
  •  الميل إلى الهلوسة.
  •  الشعور بالاكتئاب.
  •  عدم القدرة على التنسيق.
  •  زيادة في الوزن ومشاكل في الشهية.
  •  صعوبات في التركيز.

لماذا يكون حلمك سيرياليًا؟

كالحلم الذي ذكرناه في البداية، فإن الأحلام الغريبة نوعٌ مثير للاهتمام وتشغل تفكير رائيها، في هذا السياق طرح الأستاذ المساعد في علم الأعصاب إريك هول فرضية جديدة نشرت في مجلة (patterns)، أن الأحلام غير المتوقعة والتي قد تبدو عشوائية ما هي إلا إعادة ضبط من الدماغ لمعطيات الواقع.

أي أن الأحلام الفوضوية التي يختلقها العقل تساعده على فهم وتحليل حقيقة الأحداث التي يعيشها بشكل أكثر يسرًا، كما أنها تكسر الرتابة والملل.

ويعتقد هول أن الدماغ يأخذ هذا النوع من الأحلام كنوعٍ من التدريب لأي حدث مريب قد يقع، حتى لو كان غير منطقي، وبالتالي، يبق في حالة من التجهز.

وقد وجد العلماء أن الأحلام ذات الطابع السيريالي تزداد بكثرة في حالة توتر الفرد أو مروره في حالة من الضياع وتعرضه لأفكار كثيرة، حتى يظل على أهبة الاستعداد.

هل تحاول تذكر حلمك؟

يمكن تذكر تفاصيل قليلة من الحلم بعد الاستيقاظ، وتقل جودة هذه التفاصيل مع مرور الدقائق. ونسيان الأحلام تمامًا لا تدل على مشاكل بالصحة دائمًا، لكن قد تؤثر بعض العوامل على ذاكرة تخزين أحلامك، فيقول الدكتور جاد وو وهو طبيب نفساني إكلينيكي في قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية: تؤدي الكحوليات والمخدرات إلى تدهور نوعية النوم بشكل عام وقد تؤدي أيضًا إلى الكوابيس، كما أن توقيت النوم والاستيقاظ غير المتسق يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تعطيل الأحلام.

إذا كنت ترغب في الحفاظ على أحلامك من النسيان لتستلهم منها أفكارك الإبداعية الخاصة أو لتتعرف على دلالاته، فالأمر بسيط، ولن تستغرب إذا علمت أن لتذكر القصص التي تحدث أثناء نومك يمكنك إتباع خطوات صغيرة قبل الخلود في النوم:

  1. تجنب الكحول والمخدرات: لأنها تمثل عوائق لجهازك العصبي وعمله، قد يلجئ بعض الأشخاص إلى تناول المشروبات الروحية أو أدوية مخدرة لمساعدتهم على الاسترخاء والنوم، لكنها غالبًا ما تسبب العكس من نوعية نومٍ سيئة أو حتى الأرق.
  2. اضبط أوقات نومك: من الأفضل الاستمتاع بفترة نومٍ طويلة ومتواصلة تضمن حصولك على كفايتك من الراحة، بدلًا من ساعات قصيرة متقطعة، فكلما انتظمت دورات النوم كلما أثر ذلك إيجابيًا على حركة العين السريعة.
  3.  في الصباح، لا تقفز من السرير: حاول الاستيقاظ بهدوء وببطء، ودع عقلك يخرج بتروٍ من الحُلم للعالم الحقيقي دون مشتتات. يمكنك أن تمنح نفسك حمامًا دافئًا يساعدك أكثر على الشعور بالاسترخاء والهدوء.
  4.  أخبر أحدًا، اكتب، أو سجل: إذا تواجد شخصٌ مستيقظ بقربك يمكن أن تسرد له بعض التفاصيل عن منامك، يمكنك أيضًا وضع مفكرة أو أداة تسجيل.. فهذه طريقة رائعة لإبقاء نفسك تفكر بالحلم الذي رأيته. ليس من الضروري أن يكون الوصف كاملًا ومترابطًا، المهم في الأمر أن تعتاد على قضاء بضع ثوانٍ في التذكر لذا ستفعل ذلك تلقائيًا في المستقبل.

يمكن للأحلام أن توفر لك تجارب فريدة لم تمر بها مسبقًا أو حتى لن تفعل ذلك مستقبلًا لأن بعض القوانين لا تنكسر، لكنها تكسر رتابة نهارك على الأقل، يمكنها إيضًا أن تلفت انتباهك إلى أفكارٍ مرت مرور الكرام فحاول تحليلها والتفكير في مدى تعلقها في أحداث يومك ورغباتك ومخارفك، لا تنسَ أن أحلامك الفريدة والشخصية للغاية يمكن أن تتحول إلى مخزن أفكار مهمة لحياتك فلا تتجاهلها.