لاشك أننا جميعاً قد عانينا من التسويف وتأجيل المهام، سواء كنا طلاباً أو خريجين، موظفين أو أصحاب عمل حر، وبالطبع كان لهذا التسويف تأثير سلبيّ واضح على إنتاجيتنا، كونه يحجب عنا تذوق طعم النجاح. فبدلاً عن الإقدام لتنفيذ مهامنا والتخلص من تسويفنا هذا، شعرنا بعدم الاهتمام لذلك لا بل وظننا أنّنا حتى وإن بدأنا بها فلن نحقق إلّا الفشل، والخوف من الفشل جعل تراكم المهام وتسويفها مستمراً وهكذا دواليك، كل هذا يدفعنا دائماً للبحث عن أساليب التخلص من التسويف، وهذا ما سنعالجه في المقال.

التخلص من التسويف

التسويف

في البداية ولتوضيح هذا المصطلح قليلاً، التسويف هو سلوك يقوم به المرء بتأجيل ماهو مترتب عليه من مهام، واللجوء لعدم القيام بأي شيء أو حتى القيام بأي نشاط آخر، وضع في ذهنك أنّ هذا النشاط لا يقتصر على كونه ترفيهياً فقط! فقد ينهمك المسوّف بمهام ليست بأولوية ماهو مترتب عليه، مثلاً الانهماك بترتيب غرفته أو تنظيف المنزل، وبالطبع تتبدّل هذه الأنشطة من وقت لآخر فمثلاً في وقت الامتحان تزداد رغبة المسوّف بمشاهدة الأفلام وقراءة الروايات ومشاهدة المباريات وغيرها الكثير، على الرغم من أنه في أوقات فراغه لايفكر كثيراً بمثل هذه النشاطات.

لذلك سنتناول في هذا المقال أسباب التسويف، سلبياته، وخطوات عملية تساعدنا على التخلص من التسويف تماماً بمساعدة تطبيقات على هواتفنا المحمولة وحواسيبنا.


أسباب التسويف:

التخلص من التسويف

أسباب التسويف

1. المحيط الاجتماعي من عائلة وأصدقاء وشركاء:

العديد من  العائلات قد تؤصّل حتى وإن كان دون تعمد سلوك التسويف في أبنائها عند تأجيل العديد من المهام داخل وخارج المنزل، ومما لاشك فيه أن الأبناء يتخذون من آبائهم قدوة لهم، لذلك يتوجب عليهم الانتباه لسلوكهم وعاداتهم. أما الأصدقاء المسوّفين منهم والكسالى ىسرعان ماسيجعلونك متأثراً بهم وبسلوكهم على عكس الناجحين والملتزمين منهم الذين سيغرسون فيك حب الإنجاز والنجاح، وهو ماينطبق أيضاً على الشريك.

 2. الخوف من الإخفاق وعدم تقدير الذات:

كثير منا يعاني من هاجس الخوف من البدء بأمرٍ ما، وبمجرد رؤيته للمهام أو الدروس أو المحاضرات يخالجه مباشرة شعور الخوف من عدم القدرة على الإنجاز والوصول، فتبدأ مرحلة فقدان الثقة بالنفس وتكسير المعنويات، وحتى التفكير بالتعرض للتوبيخ نتيجة تدّني النتائج، وتنتهي هذه الدوامة بالاكتئاب وعدم إنجاز أي أمر وتسويفه.

3. كثرة المهام والمشاريع الكبرى:

عدم تقسيم مهامك وجدولتها أيضاً سبب رئيسي للتسويف، فكثرة المهام وعدم وجود آلية معينة بالتنفيذ ستوقعك مجددأً بدوامة الخوف والتسويف بمجرد رؤيتك للمهام المتراكمة.

4. المشتتات:

بالطبع لا يمكننا أن نغفل عن أنّ استخدام الهواتف المحمولة أو الحواسيب أثناء العمل والدراسة عامل أساسي للتسويف وتضييع الوقت، فكثيراً مانقضي على وسائل التواصل الاجتماعي ساعاتٍ من دون انتباه، على الرغم من أن نيّتنا كانت الاستراحة لربع ساعةٍ لا أكثر!


سلبيات التسويف :

التخلص من التسويف

سلبيات التسويف

1. عدم تحقيق الهدف المنشود وبالتالي الندم:

فبالطبع عند تأجيل الكثير من المهام لن تحرز أي تقدّم، وبالتالي سيلازمك شعور الندم. وخاصة أن المسوف يفوّت على نفسه العديد من الفرص بسبب عدم الاستعداد لها، وهذه الفرص إن لم تغتنمها في الوقت المناسب فهي نادراً ماتعود ثانية.

 2. تراكم المهام واستحالة الانتهاء من تنفيذها:

التسويف المستمر للمهام يصل بالمسوّف لمرحلة استحالة التنفيذ والتسليم في الوقت النهائي المحدد وبالتالي الإخفاق والفشل.

 3. التأثير على الأداء الوظيفيّ:

أشارت دراسات أجريت عام 2013 أن الموظفين المعتادين على التسويف يواجهون العديد من العواقب السيئة، فالتسويف مرتبط بانخفاض الدخل والبطالة نتيجة عدم قدرة على الحصول على عمل ثابت، وفي كثير من الأحيان فإن المعدل الزمني لبقاء الموظف المسوّف في عمله أقل بكثير من الموظف الناجح والملتزم.

4.  الشعور بالسوء وعدم تقدير الذات:

فقد أظهرت دراسات أن الأشخاص المسوّفين هم الأكثر عرضة للقلق والاكتئاب، وهم الأقل قدرة على إظهار التعاطف مع الذات، بل ويميلون جداً لجلد الذات وتأنيبها وتوبيخها.

5. مشاكل صحيّة:

قد يصدمك هذا التأثير ولكن أثبتت دراسات أجريت عام 2022 أن المسوفين يعانون من مستويات أعلى من التوتر ويزداد احتمال تعرضهم لمشاكل صحية حادة كالأرق ومشاكل الجهاز الهضمي، إضافة لآلام العضلات، ولا تقتصر المشاكل الصحية على هذا الأمر فالمسوّف يؤجل زيارة الطبيب، وإجراء التحاليل الطبية، وحتى ممارسة التمارين الرياضية، وكل ذلك ينعكس في نهاية المطاف على صحته.


خطوات التخلص من التسويف :

إن كنت شخص مسوّف لا داعي للخوف الشديد أنت فقط تحتاج بعض الخطوات للتخلص من التسويف، وضع في حسبانك أن التسويف لايعني الكسل أبداً بل هو سلوك يمكت إدارته والتغلب عليه بالمعرفة والدعم المناسبين، سأقدم لك مجموعة من خطوات التخلص من التسويف، والتي جربتها شخصياً وأفادتني كثيراً.

التخلص من التسويف

التخلص من التسويف

 1. ضع أهدافاً صغيرة:

في كثير من الأحيان تكون مجرد فكرة البدء بأداء مهمة كبيرة أمراً مستحيلاً ومحبطاً، لذلك فإن تجزئة هذه المهمة لمهمات عديدة وصغيرة من شأنه أن يكون أمراً في غاية الأهمية. أي أن كتابة قائمة بالأهداف الصغيرة والقابلة للتحقيق ستساعدك على معالجة كل هدف بدوره، والمطلوب منك هنا هو فقط أخذ زمام المبادرة لأداء المهمة الأولى، وبالتالي إحراز تقدم تدريجي، وسرعان ما ترى أن الأمر قد أنجز برمّته. هنا أنصحك باستخدام تقنية البومودور، تعتمد هذه التقنية على تقسيم المهام بحيث يتم العمل 25 دقيقة يليها استراحة لمدة 5 دقائق، وعند تنفيذ 4 جلسات يمكنك أخد استراحة أطول لمدة 30 دقيقة تقريباً، قد يبدو لك أمراً غير مجدي إلا أنه أثبت فعالية جداً، ولتطبيقه بشكل أفضل يمكن استخدام تطبيق Pomodoro Timer ، والذي يتيح لك تطبيق هذه التقنية بشكل أسهل، ومن خلاله في نهاية اليوم يكون لديك تصوّر عن الوقت الذي احتجته لإنجاز كل مهمة من مهامك، فمثلاً إنجاز تصميم غرافيك ديزاين بسيط استهلك منك 2 بومودورو، أيّ 50 دقيقة، وهذا مايخلق لديك تصوّراً عن إمكانياتك.

 2. تنظيم المهام الخاصة بك:

هذه النقطة مكمّلة للنقطة المذكورة أعلاه، ويشكل كلاهما حلّاً مثالياً للتخلص من التسويف، حيث تتطلب وجود جدول زمنيّ مفصّل والمواعيد النهائية للتسليم أو الإنجاز. فالتنظيم أمر هام جداً، من خلاله يمكنك تحديد إطار زمنيّ منطقيّ لكل مهمة بدلاً من المبالغة في تقديرك لما يمكنك إنجازه خلال إطار زمني قصير، وبالتالي إصابتك بالإحباط من المهام المتدفقة على عاتقك من كل حدب وصوب. وهنا أقترح عليك استخدم تطبيقات to do list ، الأشيع بينها هو Microsoft to do ، فهو مجاني بالكامل ويمكن مزامنته على كل من حاسوبك وهاتفك المحمول، إضافة لكونه بسيط وغير معقّد، تدرج من خلاله  مهامك اليومية وتضيف تذكير لأداء كل منها، مع وجود خاصية (تكرار) للمهام المكررة يومياً بدلاً من إضافتها كل يوم، إضافة لإمكانيّة التخطيط الأسبوعيّ والشهريّ.

3. إزالة المشتتات:

المشتتات من حولك قد تكون سبباً أساسيّاً لتأجيل مهامك سواء الهاتف المحمول أو الحاسوب أو التلفاز وغيرها.. جميعها تعرقل تقدمك وتزيد من مستويات التوتّر لديك عند التأخّر وتراكم المهام. ولكن في يومنا هذا الكثير منا يعتمد على الهاتف المحمول أو الحاسوب لإنجاز مهامه، ومن أجل مساعدتك في ضبط عملك، هناك إضافة للمتصفح تسمى Strict Workflow، تساعد هذه الأداة على الحجب المؤقّت لمواقع لا تحتاجها أثناء عملك والتي تضيفها أنت على قائمة ضمن الأداة، والجميل في الأمر هو التناغم بين هذه الأداة وتقنية البومودورو التي سبق ذكرها فهي تحجب المواقع لمدة 25 دقيقة ومن ثم تتيحها لمدة 5 دقائق، إضافة لوجود العديد من تطبيقات الحجب على هاتفك المحمول مثل Stay Focused وغيره ….

 4. شجّع نفسك على الاستمرار:

غالباً ماندع عواطفنا وأفكارنا السلبيّة تقف في طريق إنجاز مهامنا، فنميل إلى تجنّب إنجازها، حاول بدلاً من ذلك التفكير بأمور إيجابية وكافئ نفسك بطرق صغيرة يمكن أن تخلصك من التسويف وتساعدك على التعامل معه، فمثلاً يمكن زيادة دافعك لحضور التمارين الرياضية من خلال مكافأة نفسك بخروج مع الأصدقاء بعد ذلك واحتساء القهوة.

5. ربط الإنجاز بغايات أكبر وأهم:

عندما تكون شخصاً واعياً بأهمية الاستمرار بالعمل وربط هذا العمل بأهداف كبرى مثل تحسين المستقبل والارتقاء وظيفياً وغيرها … تصبح الأمور أفضل ويصبح العمل بالنسبة لديك ذو غاية أهم، فمثلاً إن كنت طالباً تذكر أنّ سعيك واجتهادك سيضعانك على الطريق الصحيح للمستقبل.

  6. سامح نفسك:

قد يكون من السهل معاقبة نفسك على التسويف، وقد تصف نفسك بغير المنتج، في الواقع إنّ مهاجمة نفسك بهذه الطريقة لا يؤدي إلّا لجعلك تشعر بمزيد من الإحباط والقلق ولا يضيف أيّ أثر يذكر لإنتاجيتك، لذلك يجب أن نكون رحيمين بأنفسنا ونحاول القضاء على هذا السلوك لتعزيز الشعور بالرضا عن النفس.

وفي الختام تذكر دوماً أن التسويف ليس كسل، بل هو سلوك ناجم عن الإجهاد في حياتنا أو عن معتقدات سلبية عن أنفسنا والتي ليس لها أيّ أساسٍ من الصحة. وتذكر القول الرائع لروبرت هيرجافيك:

” A goal without a deadline is just a dream “

أي أنّ أيّ هدف عبارة عن حلم من دون التخطيط ووضع جدول زمنيّ له، فما الذي تنتظره ابدأ الآن! و شاركنا خطواتك للقضاء على التسويف في خضم الوصول لأحلامك.