لطالما كانت أمي ترفض المناقشة في أي قرار تتخذه بحقنا، أذكر جملتها الشهيرة دائماً “لاء يعني لاء”، وعندما أخذت يوماً في كلية الإعلام عن أنواع القيادة، مرّ معي نوعٌ لم أستصعب فهمه، لأنني تعايشت معه في واقعي، ألا وهو القيادة الأوتوقراطية.

وهذا النوع لاينطبق فقط على أمي، بل القائد الأتوقراطي هو الشخص الذي يأخد الحيز الكبير من أحاديث موظفيه مع أسرتهم في كل عشاء أيضاً!

على الرغم من أن ماسبق قد بين الجانب الحاد من هذا القائد، إلا أننا نحتاجه في الكثير من المحطات، لذلك في هذا المقال ستتعرف على القيادة الأوتوقراطية والجوانب التي ابرز أهميتها بها.

مفهوم القيادة الأوتوقراطية

تُشتق الأوتوقراطية من الكلمتين “auto” والتي تعني الذات في اليونانية و  “cratic” التي تعني الحكم.

يعود تاريخ القيادة الأوتوقراطية إلى العصور الأولى من تكوين الإنسان لمجتمعه، حيث كانت القوة ظرفاً من ظروف الحياة، ويتميز هذا النوع من القادة بسلوكه التعسفي المستمد من السلطة المخولة له، فمن يستطيع التدخل في قرارات القائد أو التغيير في وجهة نظره إذا ماكان يمتلك سلطة مشابهة لسلطته؟

هذا القائد يعتمد على نفسه فقط، إذ يضخ الخطط والسياسات دون مشاركة فريقه أو باقي الأعضاء  معه، فلا يمتلك هذا القائد الثقة بإمكانات من معه لاتخاذ القرار المناسب. ويتصف من يتعامل مع هذه القيادة بالطاعة تجنباً للعقاب الذي قد يفرضه على من هم أقل سلطة منه. ويركز هذا النوع من القادة في الشركات على المهام المطلوبة، وعلى إنتاجية الجماعة، دون الاهتمام بمشاكلهم، ومعنوياتهم. ويتم أداء العمل بكفاءة عالية، كما أن الإنجاز يستمر في مستواه العادي بحضور القائد، ولكنه يقل عن ذلك في حال غيابه.

من الممكن أن تساعدنا بعض النماذج المشهورة في واقعنا لنفهم طبيعة هذه القيادة أكثر من مثل الملكة إليزابيث، ليونا هيلمسلي، إيلون ماسك، دونالد ترامب، مارثا ستيوارت، هويل رينز،نابليون بونابرت، بيل جيتس، ابراهام لنكولن وأدولف هتلر.

صفات القائد الأوتوقراطي

  • من أفضل الصفات لدى القائد الأوتوقراطي هي الصراحة والموضوعية واتجاهه مباشرةً نحو الهدف، لذلك من الممكن الاستفادة منه من خلال تبني بعض الصفات التي يمتلكها، فهو جدير بأن يُوضع في الأماكن التي تحتاج إلى قوة وحزم لتحقيق هدفٍ ما.
  • يركز هذا النوع من القادة على المهام المطلوبة، وعلى إنتاجية الجماعة، دون الاهتمام بمشاكل العاملين، ومعنوياتهم. ويتم أداء العمل بكفاءة عالية في الفترات الأولى في ظل القيادة الديمقراطية. كما أن الإنجاز يستمر في مستواه العادي بحضور القائد، ولكنه يقل عن ذلك في حال غيابه.
  • يعتمد أيضاً الأوتوقراطيّ على العقاب والتهديد والأوامر والقواعد واللوائح، ونرى هؤلاء القادة في المؤسسات صغيرة الحجم ومتوسطة الحجم، وقد نراها أيضاً في بعض الوحدات الإدارية للمنظمات الكبيرة.
  • بسبب سيطرة هذا القائد المطلقة فإنه لا يساعد على التفكير خارج الصندوق بل ولا يعطي مجالاً للإبداع في العمل، عادةً مايتخذ القائد الأوتوقراطي القرارات بناءاً على أفكاره وأحكامه ونادراً مايقبل نصيحة أو تدخل من الآخرين، وبالتأكيد قد جاء إلى ذهنك بعض الأمثلة من المؤسسات أو الشركات التي يرأسها مدير يُدعى بالحجي ولايستطيع أحد مخالفة أوامره أو طرح فكرة جديدة، فهو متمسك بنظرياته وأي إضافة عليها سيعتبرها تهديداً له ولسلطته.
  • عندما يقررالقائد الأوتوقراطي استشارة من معه، فإنه يستشير الأشخاص الذين لا يؤثرون على قراراته الخاصة، فبالتأكيد سيستشير من يتوافقون معه بوجهات النظر، وفي مؤسسات العمل سيستشيرالموظفين الأقل أهمية وإبداعاً، وفي كلا الحالتين سنصل إلى نفس النتيجة، وهي سيادة قراراته ووجهات نظره.
  • التأثير الإيجابي لهذه القيادة

  • عندما تحتاج بعض المواقف الطارئة إلى اتخاذ قرار عاجل، وعلى متّخذ القرار حمل كبير من المسؤولية، وقد يترتب على هذا القرار عواقب من الممكن أن تكون وخيمة! فإن هذا النوع من القيادة هو خير القيادات التي تتميز في مثل هذه المواقف، فهي قادرة على اتخاذ قرار ليس سريع فقط، بل قرار سريع وحكيم أيضاً.
  • الأوتوقراطيون قادرون على توفير هيكل تنظيمي متين في الأنظمة شديدة التعقيد، على سبيل المثال إذا تم التخطيط لإجراء مسرحية، فمن خلالها تجري الأمور بسلاسة ووضوح بدون تشويش، في حين أن كثرة الآراء وتعددها من الممكن أن يسبب ضياع وضعف في إتمام المهام المطلوبة.
  • القائد الاوتوقراطي لديه قدرة عالية على مراقبة الموظفين بدقة وتحديد مشكلاتهم، بل وإيجاد الحلول الفعّالة بأسرع وقت ممكن عندما يتطلب الأمر ذلك!
  • من حيث الإنتاجية، تم تقييم القادة الأوتوقراطيين على أنهم الأكثر فعاليّة في زيادة الإنتاجية مقارنة بقيادات أخرى كالديمقراطيين في بعض المؤسسات، قد يكون هذا التقييم صادم، لكن لا تنسَ بأن الإنتاجية تحتاج إلى السلطة أحياناً.
  • يحمي القائد الأوتوقراطي المؤسسات من الركود نتيجة للتنظيم السيئ أو سوء حزم القيادة.إيجابيات القيادة الأوتوقراطية
  • التأثير السلبي للأوتوقراطيين

  • في الجانب المظلم للأوتوقراطيين، سنجد معدل دوران مرتفع في المؤسسات، ترجع أسبابه إلى عدم تأمين فرصة للموظفين حتى يظهروا بأصواتهم، لذلك سيتجهون إلى البحث عن فرص تؤمن لهم مساحات للتعبير عن آرائهم والإفصاح بها وبالتالي زيادة إنتاجيتهم أكثر، وهذا كله يرجع إلى الحاجة في التعبير عن الذات وتحقيقها، وذلك يتحقق في البيئات التي تدعم الإبداع، وهي بعيدة كل البعد عن البيئات التي يرأسها قائد أوتوقراطي.
  • القائد الأتوقراطي يعيش في صندوق أفكاره فقط، إذ يصعب عليه التنقل إلى صناديق أخرى واستكشاف أفكار جديدة من عقول ثانية، لذلك يفتقد إلى صفتين مهمتين جداً في عصرنا، وهما المرونة والقدرة على التغيير.
  • عندما يكون القائد الأوتوقراطي في الأماكن التي لا يناسبها هذا النوع من القيادة، سيتسبب بلاستنزاف الشديد للموظفين والسخط وبالتالي سيؤدي إلى تراجع في الرضا الوظيفي وإحباط معنويات الموظفين.
  • من أسوأ ما يُقدم عليه القائد الأوتوقراطي هو إخفاء الاقتراحات والمبادرات الإبداعية التي يقدمها غيره لحل مشكلة معينة، لكي ينسبها إلى نفسه فيما بعد.سلبيات القيادة الأوتوقراطية
  • متى يُنصح بتطبيق القيادة الأوتوقراطية؟

  • يُنصح بتطبيقها في المواقف التي تكون فيها السيطرة المطلقة أمراَ ضرورياَ، مثل المعارك أو الأزمات، في مثل هذه الأوقات يتم التطلع إلى القادة لاتخاذ القرارات الصعبة وتنفيذ استراتيجية واضحة وفعّالة، حيث أن القرارات الخاطئة فيها تؤدي إلى دفع ثمناً باهظاً، لذلك تكون الحاجة أكبرإلى صوت واحد قوي وحازم، والقليل من الموجودين يمتلك الجرأة في اتخاذ قرار من الممكن أن يخسّره الكثير، وهذا ما نعانيه أيضاً في جوانب كثيرة من حياتنا الشخصية، فنحن نحتاج في بعض الأحيان أن نكون قادة أوتوقراطيين لتتملّكنا الشجاعة في اتخاذ القرار بجديّة وإحداث التغيير المطلوب.
  • كما يُنصح بتطبيقها في الأدوار التي تتعلق برعاية المرضى من مثل قيادة عدد من الممرضين والإشراف عليهم واتخاذ قرارات حازمة لضمان صحة المرضى وشفائهم، مثل هذه الأدوار تتطلب الجرأة والقوة لأنهم يواجهون حالات حرجة في بعض الأحيان يصعب فيها اتخاذ القرار بعيداً عن مشاعرهم وعواطفهم.
  • من الممكن أيضاً اتباع الاستفادة من الأوتوقراطيّ في مهن رجال الإطفاء، إذ أنهم يعملون في حالات طارئة وخطرة تحتاج إلى قرارات آنية وحاسمة وليس بها جدل. إضافةً إلى حاجة رجال الشرطة لهذا الأسلوب من القيادة، خاصةً في مطاردتهم لمتهمين هاربين أو مجرمين خطيرين على المجتمع.
  • من المجالات التي تتطلب قيادة من هذا النوع أيضاً هي المؤسسات التي تقدم وجبات الغذاء، فالعملاء يذهبون متأملين بخدمة عالية الجودة وطعام شهي المذاق، لذلك القيادة الاوتوقراطية تساعد في تحقيق هذه التوقعات، من خلال صرامتها في العمل وجديّتها في إتمام المهام المطلوبة.
  • ولا ننسى أن نذكر الدور البارز للقائد الأوتوقراطي في مجالات التصنيع،  مثال على ذلك صنع أجهزة التلفاز ذات الشاشات الرقيقة بأسعار معقولة، حيث استغرق ذلك عقوداً من الزمن لتُتقَن الصناعة من خلال مزيج من البحث والتطوير عن طريق التجربة والخطأ والصرامة في مراقبة الجودة بفضلها، فتكللت الجهود بقدرة العملاء على شراء أجهزة تلفاز بشاشات كبيرة وأسعار مناسبة.
  • لم تكن أمي سيئة، لكنها افتقدت إلى إعطاء الأدلة وإلى فهم احتياجاتنا في النقاش معها وتبادل الآراء. قد يعتقد الكثير بأن القائد الأوتوقراطي سيّئ بالمطلق، لكن كما تبيّن معنا في مقالنا متى يتميز دور هذا الشخص المسيطر ويتم الاعتماد عليه بالمطلق، لذلك على الرغم من بعض السلوكيات القاسية له، إلا أننا يمكننا استخلاص بعض السمات النافعة كالحزم والقوة والجدية والإصرار في تحقيق الهدف والقدرة على صنع القرار، وكل ذلك نحتاجه في مساراتنا الأكاديمية والمهنية، وفي الأوقات الطارئة أيضاً. شاركنا تجربتك مع القائد الأوتوقراطي، هل صادفت قائداً من هذا النوع؟ وأين؟