هل وقعت يوماً في موقف محرج عندما وصلت إلى السوق ونسيت قائمة التسوق؟ أو وجدت صعوبة في تذكر المعلومات عند تقديم اختبار اللغة مثلاً؟ أو ربما ألقى عليك السلام أحدهم وبذلت جهداً ووقتاً لتذكر اسمه والموقف الذي جمعك به؟ أو تصبب منك العرق وبدى عليك الارتباك عند نسيانك لبعض الأفكار أثناء تقديمك لعرض تقديمي أمام جمهور من الناس؟ جميعنا قد نتعرض لهذه المواقف ونتمنى أننا لم نتعرض لها وجميعنا يرغب بامتلاك ذاكرة قوية، ولكن كيف نحصل على ذاكرة قوية ونشيطة ونتجنب المواقف المحرجة في حياتنا اليومية؟

في الحقيقة إنّ معظمنا يستخدم فقط نسبة ضئيلة من قدرته على التذكّر، والواقع أنّ الطريقة التي ننمي بها ذاكرتنا ليست بتطوير الذكاء والقدرة العقليّة، لكنّها بالتطبيق الفعال للمبادئ الأساسيّة لتنمية الذاكرة.

بدايةً يجب أن نعرف أن الذاكرة هي إحدى قدرات الدماغ البشري التي تمكنه من الترميز والتخزين والاحتفاظ ومن ثم استرداد المعلومات والخبرات السابقة.

أما عن وظائف الذاكرة فإنها تقسم لثلاثة أقسام:

الوظيفة الحسّيّة: تستقبل المعلومات من الأعضاء الحسّيّة (العين، الأنف، الأذن…) وتحتفظ بتلك المعلومات لثوانٍ معدودة تقريباً 5 ثوانٍ.

وظيفة الذاكرة قصيرة المدى: تسمى بالذاكرة العاملة وهي لتخزين المعلومات في الوقت الحالي وتستطيع فيها تخزين من 5 إلى 9 معلومات بشكل لحظي.

وظيفة الذاكرة طويلة المدى: فهي عبارة عن مستودع كبير تستطيع فيه تخزين كم كبير من المعلومات، وحتى تنتقل المعلومة من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى يجب استعمالها وتكرارها على مدار مدة زمنية طويلة حتى تثبت في الذاكرة طويلة المدى، ويعتقد الخبراء أنّ العقل البشري لديه قدرة غير محدودة لحفظ المعلومات، فإنّ ما يمكن تذكّره، أو استدعاؤه، يتحدّد بالكيفيّة التي نقوم بها بمعالجة وتخزين المعلومة.

ولأن ضعف الذاكرة والنسيان في زمن المشتتات والضغوطات النفسية بات شائعاً بين الأفراد باختلاف أعمارهم سنتعرف في هذا المقال على 7  طرق (من ضمنها تقنيات) تجعلنا نتمتع بذاكره قوية، ونتخلص من شبح النسيان وضعف الذاكرة.

 

1-التدريب المستمر :

تدريب الذاكرة

الذاكرة مثل العضلات تحتاج إلى التدريب والتمرين حتى تعمل بشكل جيد، وهناك العديد من التقنيات التي تساعدك للحصول على ذاكرة قوية من أهمها:

  • قصر الذاكرة Memory palace:

هو نظام ذاكري يربط بين العناصر التي نريد أن نتذكرها مع المواقع المادية المحددة بمعنى يعتمد على العلاقات المكانية وحفظ الأماكن بالترتيب لتذكر المحتوى المراد حفظه، وكمثال على استخدامه: عندما تريد أن تتذكر قائمة التسوق الخاصة بك فعندما تتخيل أنك تمشي من غرفة النوم إلى المطبخ يمكنك تخيل أن هناك رغيف خبز على السرير ثم تتخيل أثناء سيرك إلى المطبخ أن هناك بيض على ملابسك ثم تستمر في عملية التخيل أثناء سيرك حتى تنتهي القائمة، فعندما ستكون في السوق يمكنك تذكر أنك تمشي وترى الأشياء التي وضعتها في الأماكن، وكلما كانت الصورة أكثر مرحاً سترسخ المعلومة أو الغرض في العقل أكثر.

وتعتبر تقنية قصر الذاكرة فعالة بشكل مذهل في جميع المجالات مثل: تعلم اللغات، والعلوم، وحفظ عرض تقديمي توشك على تقديمه، والتحضير للامتحانات، وغيرها الكثير، حتى لو كان كل ما تريده هو الحصول على ذاكرة قوية ونشطة.

  • تقنية Flashcard:

هذه التقنية شائعة وخاصة بين الطلاب، وهي ببساطة بطاقات أو قصاصات ورقية صغيرة، تستعمل كل منها لكتابة كمية محددة من المعلومات التي نود حفظها لكي نتذكرها ونستعملها لاحقاً، على سبيل المثال: قد يستعملها الطلاب لحفظ معاني ومفردات اللغة الإنكليزية، ولهذا الغرض يقومون بكتابة الكلمة التي يرغبون بحفظها مع تفسير مختصر للمعنى، وأحيانا يتم استخدام رسوم توضيحية تساعد على تثبيت المعنى، كما يمكن أن يستخدمها الأصدقاء لاختبار بعضهم البعض وهذا يعطي مزيداً من التركيز وأخذ الموضوع بجدية أكبر، كما نجد أيضاً أن هذه الطريقة هي أفضل طريقة لهواة التعليم البصري خاصة عند استخدام الرسم بشكل بسيط.

  • رسم الخرائط الذهنية:

هي عبارة عن تمثيل مرئي للطريقة التي يرتب بها الدماغ المعلومات، ففي مركز الخريطة يتم وضع الكلمة الرئيسية (أو أي صورة تعبر عنها) ثم يتفرع من المركز كلمات إضافية أو صور ذات علاقة بالكلمة الرئيسية، حيث تترابط الكلمات والرموز في الخرائط الذهنية تماماً كما يربط الدماغ بين المعلومات معاً، ويمكن تبسيطها من خلال الاستعانة برسومات وصور توضيحية تسهم في إطلاق قدرات الدماغ الديناميكية، ولعل أهم ما يميز الخرائط الذهنية قدرتها على تحويل القوائم الطويلة من المعلومات الجامدة القاتمة إلى رسم بياني عالي التنظيم مليء بالألوان، الأمر الذي يسهل عملية حفظ وفهم المعلومات، نظراً لكون هذه الاستراتيجية في التنظيم تتوافق تماماً مع طريقة الدماغ في تخزين المعلومات الجديدة.

  • ربط معلومة جديدة بصورة مبالغ فيها ومضحكة:

هذه التقنية تساعد على إطلاق العنان للإبداع والخيال من أجل الحفاظ على المعلومات في الذاكرة لأطول فترة ممكنة، فالدراسات تثبت أن المعلومات التي يتم الحصول عليها بطرق غير تقليدية لها قابلية أكبر على التذكر لأن عوامل حفظها لا تقتصر فقط على المعلومة نفسها وإنما على طريقة الحصول عليها وبالتالي يكفي تذكر الصورة لتبدأ المعلومة بالتدفق إلى الدماغ.

  • استخدام اللحن والقوافي:

من المؤكد أن حفظ أغنية هو أسهل بكثير من حفظ مادة دراسية، لذلك فإن الحفظ باستخدام مبدأ القوافي والألحان هو من أمتع الطرق حيث يتم ترتيب المعلومات ورصدها على شكل قصيدة بسيطة واستخدام اللحن لقراءتها، بهذه الطريقة ستضمن تذكر المعلومات عند تذكر الأغنية المخترعة.

2- الضحك:

الضحك والذاكرة

ربما تسأل نفسك.. ما علاقة الضحك بالذاكرة؟

الجواب هو أن الضحك له فوائد صحية عديدة فهو يساعد على إطلاق هرمونات السعادة، وكذلك يقلل من التوتر والقلق بالإضافة إلى فوائده لتحسين عمل المخ والتمتع بذاكرة قوية، كما أن الضحك يساعد على تشغيل مناطق متعددة في جميع أنحاء الدماغ، بالإضافة إلى أن الاستماع إلى النكات المضحكة ينشط مناطق الدماغ الحيوية المسؤولة عن التعلم والإبداع والابتكار، ونجد هذا في قول العالم النفساني دانييل جولمان في كتابه (الذكاء العاطفي) يبدو أن الضحك يساعد الناس على التفكير بشكل أوسع والربط بحرية أكبر بين الأشياء.

3-النوم والذاكرة:

النوم والذاكرة

لا يوجد شك أن النوم بعمق يجعل الشخص يشعر شعوراً جيداً، ولا شك أن النوم الجيد يؤثر بشكل إيجابي على صحتنا الجسدية، ولكن ما هو تأثير النوم على الذاكرة؟

لكي تتحول معلومة ما إلى الذاكرة يجب أن تمر بثلاث مراحل وهي: الاكتساب: يتم فيها تعلم أو اكتساب خبرة جديدة، الترسيخ: تصبح الذاكرة مستقرة في المخ، الاسترجاع: وهو القدرة على الدخول على هذه الذاكرة واسترجاعها في المستقبل، وقد أثبتت الدراسات أن عملية الاكتساب والاسترجاع تتم عندما يكون الشخص نائماً، ومع انعدام النوم أو حرمان الجسم من النوم الكافي يواجه الدماغ صعوبة في تقبل وتثبيت هذه الذاكرة، كما يصعب على الشخص استرجاعها، وأيضاً هناك دراسات عديدة حول تأثير القيلولة على الدماغ والذاكرة، فقد أثبتت هذه الدراسات أن القيلولة تساعد في الحصول على ذاكرة قوية، لذا ينصح الخبراء بها خلال ساعات المذاكرة إذ تتاح فرصة للمخ خلال القيلولة للتعامل مع المعلومات الجديدة التي تم تحصيلها.

 

4-المحافظة على نظام غذائي:

النظام الغذائي لذاكرة قوية

إن لطبيعة الغذاء دور أساسي ومهم في تكوين الأعصاب ونمو الدماغ وتنشيط الذاكرة والوقاية من الخرف والزهايمر، لذلك من المهم جداً اتباع نظام غذائي صحي يساعد في التمتع بذاكرة قوية ونشطة بالإضافة إلى صحة جيدة لأجسامنا، ومن أهم الأغذية ما يحتوي على الأوميغا ثري متل الأسماك بجميع أنواعها، وكذلك بعض الخضراوات مثل السبانخ والبقدونس، وبعض أنواع المكسرات مثل الجوز والفستق والكاجو والزبيب والفول السوداني، وبعض الفواكه مثل الأناناس والمشمش، وكذلك عسل النحل وخل التفاح، وفي المقابل هناك أطعمة أخرى تؤثر بالسلب على الدماغ ويجب تجنبها مثل: السكريات والوجبات السريعة والدهون غير الصحية والأملاح.

5-ممارسة الرياضة :

ممارسة الرياضة لتحسين الذاكرة

كثيراً ما نسمع بالمقولة المشهورة: (العقل السليم في الجسم السليم) لذلك فإن تأثير الرياضة لا يقتصر على الجسم فقط بل إن له تأثير كبير على العقل والتفكير والذاكرة، فقد أثبتت الدراسات ان ممارسة جميع أنواع الرياضة أو حتى المشي تساهم بشكل أو بآخر في تقوية الذاكرة حيث تحسن من نمو المنطقة التي تسمى (تحت المهاد) والتي ترتبط بعمل الذاكرة بشكل كبير، كما أن ممارسة الرياضة تساعد على تحسين الدورة الدموية وبالتالي تدفق الدم إلى الدماغ، وبذلك يمكننا التمتع بصحة جيدة وذاكرة قوية في وقت واحد.

6-الراحة النفسية:

الراحة النفسية

حياتنا اليومية مليئة بالضغوطات النفسية، وإن لهذه الضغوطات انعكاسات سلبية كثيرة على الصحة ومن أبرزها ضعف الذاكرة، وذلك أن زيادة هذا الضغط واستمراره بشكل متكرر يؤدي إلى تلف خلايا المخ، كما أن التوتر والإجهاد النفسي يضر بمنطقة في الدماغ تسمى القشرة الجبهية، فعندما يزداد الضغط على هذه المنطقة يمكن أن يحدث اضطرابات نفسية ينتج عنها ضغط في الذاكرة، وللحد من الضغط النفسي والتمتع بذاكرة قوية يجب الابتعاد عن مصادر التوتر، والبحث عن أسبابها وإيجاد الحلول المناسبة لها.

7-القرآن الكريم:

القرآن الكريم وتأثيره على الذاكرة

ثبت علمياً أن تلاوة القرآن الكريم وترتيله والاستماع إلى آياته والانصات لها يعزز القوى العقلية كما أن له أثر إيجابي على خلايا المخ وعدم تعرضها للتلف، بالإضافة على أن تلاوة القرآن الكريم بتعقل وتدبر وتعلم أحكامه تحفز وتنشط عمليات المخ، وقد أجرى بعض الأطباء المسلمين مثل الدكتور أحمد القاضي في الولايات المتحدة الأمريكية بعض التجارب المحسوسة حيث سلط موسيقى صاخبة على نباتات ورأى لها أثراً، وسلط عليها كلاماً بذيئاً من كلام الناس ورأى له أثراً آخراً، ثم سلط عليها كلاماً من كلام الناس ورأى أثراً مغايراً لما قبله، ثم سلط عليها بعد ذلك موسيقى هادئة ورأى أثراً، وفي الختام سلط عليها القرآن الكريم فرأى أثراً عجيباً عظيماً في ارتفاع نسبة الاخضرار والنمو والطاقة في هذه النباتات، وما أكثر التجارب لتي أثبتت قدرة وأثر القرآن الكريم الإيجابي على النبات والحيوان والماء فكيف يكون أثره على الإنسان في عقله وروحه؟

إن صوت القرآن الكريم هو عبارة عن أمواج صوتية لها تردد محدد وطول موجة محدد وهذه الأمواج تنشر حقولاً اهتزازية تؤثر على خلايا الدماغ وتحقق إعادة التوازن لها مما يمنحنا مناعة كبيرة في مقاومة الأمراض الجسدية والنفسية، فالقرآن الكريم غذاء روحي وعقلي لا يمكن الاستغناء عنه.

 

وفي ختام نجد أن امتلاك ذاكرة قوية ليس بالأمر المستحيل بوجود هذه الطرق، ولكنك بحاجة إلى مزيد من الجهد والمحاولة، وإن الحالة الجسدية والنفسية والروحية لها دور كبيرة بعمل الدماغ والذاكرة، لذلك يجب البحث في الأسباب لتتمكن من علاج المشكلة.

شاركنا تجاربك الطريفة التي واجهتها مع ضعف الذاكرة، وهل حاولت معرفة الأسباب وإيجاد الحلول لها؟

انظر https://training.mhabash.com/2022/07/30/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d9%8a%d9%85%d9%83%d9%86%d9%83-%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%b7%d9%81%d9%84%d9%83%d8%9f/