برغم ما يعيشه العالم اليوم من حروب هنا واضطرابات هناك وما يهدد استقراره من أزمات اقتصادية واجتماعية وأوبئة، فإن 176 يوماً هو مايفصلنا عن بطولة ومباريات وملاعب كأس العالم في قطر ٢٠٢٢ ™ التي ستستحوذ لمدة 28 يوماً ومن خلال 64 مباراة على انتباه شعوب العالم، شاغلة المساحة الكبرى من أفكارهم وحلقات نقاشاتهم الواقعية منها والافتراضية بما تملكه من أثر عاطفيّ ووجدانيّ دائم في حياتهم والذي صاغهُ ليونيل ميسي ذات مرة حين قال “بلدي هو عائلتي، وطريقتي في التعبير عن نفسي، وأود أن أبادل جميع بطولاتي مقابل كأس العالم”.
لمحة عن بطولة كأس العالم ومايميزها هذا العام
هذة البطولة المميزة سيزيد من فرادتها هذا العام أنها ستقام بشكل استثنائي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر بدلاً من موعدها المعتاد في شهر حزيران/يونيو، وذلك للحماية من الجو الحار حيث أن متوسط درجات الحرارة في هذا الوقت من العام يبلغ حوالي 41 درجة مئوية وقد يصل إلى 50 درجة مئوية في دولة قطر، التي ستصبح أول بلد عربي في التاريخ يستضيف على أراضيه هذا الحدث العالمي. أما المشجعين القادمين من كل أنحاء العالم لتشجيع منتخباتهم والاستمتاع أيضاً بأجواء البلد المضيف سيكونون لأول مرة قادرين على مشاهدة أكثر من مباراة واحدة في اليوم الواحد، مباشرة من على المدرجات، ذلك أن المسافات الفاصلة بين الملاعب ومدنها صغيرة نسبياً، والوقت المطلوب لقطعها لن يكون أكثر من ساعة واحد كحد أقصى بين أي ملعبين.
لكن يبقى إنشاء قطر لملاعب خاصة من أجل البطولة أُضيفت لأخرى كانت موجودة وتم زيادة قدرتها الاستيعابية فقط، يبقى هو العامل الأكثر تميزاً بكل الجهد المبذول لتحقيقه من قبل العمال وقبلهم المهندسين الذين استطاعوا إنجاز المهام بكفاءة وإبداع وبأوقات قياسية أحياناً، هذه الملاعب التي سيتم فك بعضها بشكل كامل فيما سيتم تقليص المساحة الاستيعابية للبقية منها بعد نهاية البطولة.
أهم ملاعب كأس العالم في قطر التي ستتقلص طاقتها الاستيعابية لاحقاً
• استاد البيت
هو أحد أبرز ملاعب كأس العالم في قطر حيث ستتردد في أرجائه أولى صرخات التشجيع في المباراة الافتتاحية للبطولة المنتظرة بين منتخبي قطر والإكوادور. تم الكشف عن تصميمه في عام 2014 وهكذا بدأت عمليات البناء والتشييد رسمياً في عام 2015، وفي الرابع من نوفمبر عام 2018 نال شهادة فئة التميز من برنامج نظام تقييم الاستدامة العالمي التي تشير إلى مطابقة تصميمه لأعلى معايير الاستدامة والجودة، وفي عام 2021 أقيمت على أرضه أول مباراة ودية بحضور جياني انفانتينو رئيس الاتحاد العالمي لكرة القدم FIFA.
الموقع الجغرافي
تم تشييد الاستاد في مدينة الخور الساحلية التي تقع على بعد 60 كلم شمالاً من العاصمة القطرية الدوحة، المدينة التي تشتهر نظراً لموقعها بالغوص بحثاً عن اللؤلؤ وصيد الأسماك وهو ما كان جاذباً لأهل البادية ليسكنوا فيها.
التصميم المعماري ودلالاته
يستوحي الاستاد الذي قامت بتنفيذه مؤسسة Aspire Zone، اسمه وتصميمه من بيت الشَعر أو الخيمة التي سكنها أهل البادية العربية ومنطقة الخليج على مر التاريخ.
هو تصميم يحتفي بجزء هام من تاريخ دولة قطر ويحاكي حاضرها مع مراعاته لتلبية المتطلبات المجتمعية مستقبلاً بما بني حوله من مرافق خدمية وترفيهية رائدة، هذا وقد سعى القائمون عليه أن يجعلوا منه أنموذجاً للتنمية الصديقة للبيئة حيث سيكمل الظل الناتج عن هيكل الخيمة وسقفها القابل للطي عمل التقنيات المستخدمة للتبريد في الاستاد والمساعدة في الحفاظ على درجة حرارة مريحة في الداخل دون الحاجة لاستخدام مصادر طاقة إضافية.
مصير الاستاد
بعد انتهاء البطولة سيصل الاستاد بفوائده إلى عدد أكبر من الدول حول العالم، حيث سيتم تفكيك مقاعد الجزء العلوي من المدرجات التي يصل عددها تقريباً لنصف الطاقة الاستيعابية الكاملة للملعب المقدرة ب 60000 مقعد، وستكون قابلة للنقل مثل بيوت الشعر الحقيقية قديماً وتُمنح للدول النامية التي تحتاج لبناء مرافق رياضية وهي خطوة تجسد روح وفكرة الرياضة عامة وكرة القدم خاصة التي تقوم على التعاون والبذل الفردي لأجل الجماعة.
• استاد الجنوب
افتتح أبوابه لأول مرة أمام المشجعين في مباراة نهائي كأس الأمير في 16 مايو من عام 2019 أي بعد حوالي ست سنوات من إعلان تصميمه.
الموقع الجغرافي
تقرر بناء استاد الجنوب في مدينة الوكرة الواقعة على الساحل الشرقي الجنوبي من دولة قطر وثاني أكبر مدنها، كما أنها من أقدم المناطق القطرية المأهولة بالسكان والتي احترف سكانها مهنتي الصيد والبحث عن الّلآلئ. كان لكل ذلك تأثير بارز على تصميم الملعب والذي امتاز باحتواء المنطقة المحيطة به على مساحات خضراء تضمنت حوالي 800 شجرة جديدة بالإضافة إلى نباتات متوطنة لترشيد استهلاك الماء، ووجود مرافق يستفيد منها ساكنوا المدينة وزوارها بما في ذلك مدرسة وقاعة أفراح ومسارات لركوب الدراجات ومطاعم وأندية للياقة البدنية.
التصميم المعماري ودلالاته
يظهر الاستاد بملامح تعود بنا إلى ماضي التجارة البحرية التي عرفت بها مدينة الوكرة بأسلوب عصري منفتح على المستقبل.
لا يختلف المشهد داخل الاستاد عن خارجه من حيث الروعة والإتقان، حيث يرتفع السقف عالياً بمعاونة العوارض التي تنحني تحته محاكياً بذلك هيكل السفينة وسامحاً للضوء بالمرور إلى داخل الاستاد بسلالة وبدون أن يكون له تأثير على زيادة درجات الحرارة فإلى جانب نظام التكييف يلعب التصميم دوراً في ضمان راحة اللاعبين والمشجعين وكل المتواجدين فيه، كما يسهم التحليل المفصل للمناخ المحلي الذي أجري على شكل الاستاد مع الديناميكية الهوائية والتظليل الأمثل من السقف (الذي يشمل كمية قليلة من الزجاج) إسهاماً كبير في السيطرة على درجة الحرارة الملائمة.
يعود الفضل في هذه الأفكار الملهمة إلى شركة AECON الذين قدموا خدمات استشاري التصميم بالتعاون مع شركة زها حديد.
مصير الاستاد بعد البطولة
بعد انتهاء البطولة سيصبح استاد الجنوب مركز الرياضة والترفيه في جنوب قطر، كما سيتم خفض الطاقة الاستيعابية للنصف والتبرع بما يقارب 20000 مقعد لمشاريع تطوير كرة القدم في مختلف أنحاء العالم.
• استاد الثمامة
الموقع الجغرافي
يقع الاستاد على بعد 12 كيلوميتراً جنوبي مدينة الدوحة في منطقة قريبة من مطار الدوحة الواقع في منطقة قريبة من مطار الدوحة الدولي والذي يعتبر أهم مطارات البلاد، ليكون أول ملاعب كأس العالم في قطر التي سيستمتع الزوار برؤيتها من السماء قبل هبوطهم في المطار، مرحباً بهم بتصميمه الملفت الذي تم الإفصاح عنه قبل خمس سنوات فقط، وهكذا بدأت عمليات البناء بسرعة واستمرت حتى عام 2021 حين تزامن افتتاحه مع النسخة 49 من نهائي كأس الأمير وكانت المباراة العزيزة على قلوب القطريين تليق بافتتاح ملعب يحتفي بالثقافة المحلية هناك.
التصميم المعماري ودلالاته
كان المكتب الهندسي العربي هو صاحب فكرة الاستاد وهو من تولى تصميمه، وقد قاد مشروع التصميم بعد أن كان مبتكر فكرته المهندس القطري إبراهيم محمد جيدة. يحاكي التصميم شكل القحفية، وهو اسم القبعة التي يرتديها الرجال والأطفال في قطر وباقي دول الخليج كنوع من المحافظة على تراث عربي كانت فيه القحفية رمزاً للاعتزاز بالنفس، تنسج بخيوطها درب الأطفال الذين يرتبطون بها في سن مبكرة ثم يعتادون على ارتدادها بشكل مستمر في مراحلهم العمرية المختلفة والمناسبات المتنوعة كما هو الحال مع بقية أجزاء الزي التراثي للرجال في هذه الدول.
مصير الاستاد
سيتم خفض الطاقة الاستيعابية بعد البطولة بما يكفي لتلبية المتطلبات الرياضية القطرية وليوفر بنية تحتية رياضية عالية الجودة للدول النامية من خلال التبرع بما يصل ل 20000 مقعد، وسيستمر استخدام الملعب بطاقته الاستيعابية الجديدة لاستضافة مباريات كرة القدم والفعاليات الرياضية الأخرى.
ملاعب كأس العالم في قطر التي ستختفي لاحقاً
– استاد لوسيل
هو أكبر ملاعب كأس العالم في قطر ومن بين الأكثر تطوراً حول العالم، طاقتة استيعابية تصل إلى 80000 مقعد و الذي سيحتضن المباراة النهائية ويشهد ختام الحدث العالمي على أرضه.
الموقع الجغرافي
تم تشييد الملعب ليكون محور مدينة لوسيل الواقعة على مسافة 15 كلم إلى الشمال من الدوحة، تتميز بكونها مدينة عصرية جديدة وبأن كافة جوانب التخطيط فيها سواء نظام الترام ووفرة المساحات الخضراء والاستاد الذي يرتكز على عناصر الاستدامة، تتمحور حول احتياجات الإنسان والمحافظة على البيئة.
التصميم المعماري ودلالاته
استوحى تصميمه البديع والذي يعود لشركة Foster + Partners من تداخل الضوء والظل الذي يميز الفنار العربي التقليدي أو الفانوس كما يعكس هيكله وواجهته النقوش بالغة الدقة على أوعية الطعام والأواني والقطع الفنية الكثيرة التي وجدت في أرجاء العالم العربي والإسلامي خلال نهوض الحضارة في المنطقة.
يتوج واجهة الاستاد سقف يمثل أحدث ما توصلت له التقنيات في مجالي الفن المعماري والمقاولات، صنع السقف من مواد اختيرت بعناية بحيث ينتشر الظل في أنحاء الاستاد لكنه يسمح في الوقت ذاته بتسلل القدر الملائم من ضوء الشمس، وفي المساء سوف تعمل منظومة الإضاءة المتطورة على خلق تناغم وتداخل بين أضواء الاستاد والمساحات المفتوحة في واجهته ليحاكي وهج فانوس الفنار مرحباً بالمشجعين القادمين صوب الاستاد والذين سيتمكنون من التقاط صور السيلفي الافتراضية مع لاعبهم المفضل من خلال تقنيات الواقع الافتراضي المستخدمة في القاعات والممرات المؤدية إلى مدرجاته، بالإضافة إلى تقنيات حديثة أخرى ستبهر المشجعين في مدرجاتهم لتكون مشاهدة المباراة النهائية حدثاً استثنائياً بكل ما للكلمة من معنى.
مصير الاستاد بعد البطولة
سوف يجري تحويل الاستاد بأكمله بعد نهاية كأس العالم إلى وجهة مجتمعية تضم مدارس ومتاجر ومقاهٍ ومرافق رياضية وعيادات طبية، سوف يؤمن هذا المركز المجتمعي متعدد الأغراض كل ما يحتاجه الناس تحت سقف واحد هو السقف الأصلي لاستاد كرة القدم. خلال هذه العملية سيتم تفكيك معظم مقاعدة والتبرع بها لصالح المشاريع الرياضية.
– استاد 974
الموقع الجغرافي
تم بناء الاستاد في مدينة الدوحة على ساحل الخليج ويطل على ناطحات السحاب المذهلة بمنطقة الخليج العربي في الجهة المقابلة، تم الكشف عن تصميم استاد ٩٧٤ لأول مرة في عام 2017 وفي سبتمبر 2021 قام جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA بزيارة استاد 974 حيث تمكّن من تفقد أرضية الملعب التي افتُرشت في أبريل 2021، وذلك قبل شهرين من تاريخ التدشين الرقمي للاستاد.
التصميم المعماري ودلالاته
يمتاز الاستاد عن باقي منشآت استضافة كأس العالم بأن تشييده تم باستخدام حاويات الشحن البحري المرخص لها وعناصر من الصلب القابلة للفك والتركيب، تلك الحاويات التي استخدمت بذاتها لشحن كافة مواد البناء الإضافية لتشييده، ومن هنا جاء اسم الاستاد معبراً عن العدد الذي احتاجه البناء من حاويات الشحن، كما أن للاسم دلالة أخرى فهو أيضاً رمز الاتصال الدولي الخاص بدولة قطر. تم إنشاء الاستاد في وقت قياسي وبتكلفة منخفضة، يعود الفضل بذلك للتصميم الفريد الذي يعود لشركة Fenwick Iribaren Architects وهي المرة الأولى في تاريخ ملاعب كأس العالم التي يصمم بها استاد قابل للفك بشكل كامل مايؤكد التزام الدوحة تجاه الاستدامة.
مصير الاستاد بعد البطولة
يقدّم استاد ٩٧٤ نموذجاً يُحتذى لمطوّري الاستادات ومنظمي البطولات الكبرى في العالم، هذا إلى جانب ما سيوفره من بنية تحتية قيّمة لمشاريع رياضية في مناطق متنوعة.وبفضل الطبيعة المؤقتة للاستاد وتصميمه المبتكر من وحدات مستقلة، تطلّب تشييده مواد بناء أقل مقارنة بإنشاء الاستادات على الطريقة التقليدية، ما أسهم في خفض تكاليف الإنشاء، ومع إعادة استخدام المقاعد والسقف وباقي مكونات الاستاد في إنشاء مشاريع أخرى، فإن أجزاء من هذا الاستاد سيتم الاستفادة منها على مدى أعوام أو حتى عقود قادمة.
الخاتمة
لطالما كانت بطولة كأس العالم محط أنظار الجميع بكل مايفيض عنها من احداث غير متوقعة تسبقها أو ترافقها، ومن إبداع يصنعه أبطال اللعبة مع منتخباتهم، لكن ربما في هذا العام سيتشاركون في صنع الدهشة مع من وصلوا الليل بالنهار من عمال ومهندسين وفنيين وشركات، لكي نشاهد هذة الملاعب المبهرة بهياكلها وتقنياتها تقف مرحبة بالجميع ومشاركة في صنع التاريخ.
المصدر هو الموقع الرسمي لكأس العالم في قطر 2022
التعليقات 0
اضف تعليق