مرض السكري هو داءٌ مزمن يدوم مدى الحياة، يُعد من أكثر الأمراض شيوعاً، فلا تخلو عائلة من هذا المرض، وقد ساهم في انتشاره نمط الحياة الحالي والرفاهية وقلة النشاط والحركة مع انتشار الوجبات السريعة والأكل الغير صحّي، يُصاب الشخص بالسكري عندما ترتفع مستويات السكر في الدم نتيجة انخفاض الأنسولين، أو انخفاض حساسية الأنسجة أو كليهما، فالانسولين هو هرمون يساعد على تنظيّم مستويات السكر في الدم وتحويله إلى الطاقة اللازمة للجسم.

لدينا نوعين أساسيين من مرض السكري:

1- مرض السكري النوع الأول:

السكري من النوع الأوّل هو مرض مناعي أو فيروسي يُصيب خلايا  بيتّا الموجودة في البنكرياس فتصبح غير قادرة على القيام بوظيفتها في انتاج هرمون الأنسولين، في هذة الحالة يكون هرمون الأنسولين غير موجود، فيرتفع مستوى السكر في الدم  لأن هرمون الأنسولين هو الّذي يقوم بإدخال السكر إلى خلايا الجسم لإنتاج الطاقة.

في هذه الحالة يجب تأمين الأنسولين من خارج الجسم عن طريق حقن الأنسولين الّتي يضطّر المريض لاستخدامها مدى الحياة كبديل للأنسولين الطبيعي الّذي يُفرزهُ البنكرياس.

هذا النوع من السكري يصيب الأطفال، وتُشكّل نسبة انتشارهً بين 5 إلى 10% من نسبة المصابين بمرض السكّر.

أسباب مرض السكري نوع أول:

1- الجهاز المناعي والجيّنات الوراثيّة : عند بعض الأشخاص  ولأسباب غير معروفة و قد تكون وراثيّة يقوم الجّهاز المناعي بمهاجمة خلايا بيتّا الموجودة في البنكرياس والمنتجة لهرمون الأنسولين، يهاجمها و كأنها جسم غريب  فتتوقف عن إفراز الانسولين.

2- الالتهابات الفيروسيّة: الفيروسات قد تُكسّر وتقتل خلايا بيتّا ، أو تُحفّز الجهاز المناعي ليقوم بمهاجمتها.

3- نقص فيتامين D: إنّ فيتامين D قادر أن يوجّه هذه المناعة لمحاربة البكتيريا والفيروسات الضّارة  فقط، ويوقف مهاجمة الجهاز المناعي لنفسه أو لخلايا بيتّا. فيكون هذا الفيتامين كحاجز بين الجهاز المناعي وجسم الانسان.

4- المبيّضات الموجودة في الدقيق والتي تعطيه لونهُ الأبيض، هذه المادة تقضي على خلايا بيتّا.

5- مقاومة الأنسولين عند الأم تُعرّض طفلها لأن يكون مُصاباً بالسكري نوع أول.

2- مرض السكري النوع الثاني:

إنّ البنكرياس يُنظّم مستويات الغلوكوز(السكر) في الدّم من خلال إفراز الأنسولين ممّا يسمى جزر لانغرهانس حيثُ تكثر خلايا بيتّا، الّتي ما إن تفرز الأنسولين حتي يساعد على دخول الغلوكوز إلى كافة الخلايا.

يتوضّع على أغشية الخلايا مستقبلات للأنسولين الّتي تساعد الخلايا على امتصاص الغلوكوز للحصول على الطّاقة اللّازمة للجسم، لكن تزايد استهلاك  الكربوهيدرات مع الوقت  يؤدي إلى ارتفاع مستويات الأنسولين في الدّم ممّا يُعرف  بفرط انسولين الدّم ، وكآلية حماية للجسم من فرط الأنسولين تبدأ الخلايا بمقاومة الأنسولين المرتبط بمستقبلاتها وهذا يمنع دخول السكّر إلى الخلايا  فيما يُعرف(مقاومة الأنسولين ) ولمواجهة ارتفاع السكر في الدّم يُحوّل الأنسولين السكر إلى دهون، ممّا يؤدي إلى البدانة و ارتفاع  مستوى الأنسولين أكثر فأكثر، ومع الوقت تُصاب خلايا بيتّا بالإنهاك فَيقّل افراز الانسولين، إنّ اختلا ل التوازن بسبب ارتفاع الغلوكوز في الدّم و مقاومة الأنسولين و هبوط انتاج الأنسولين يؤدي إلى الاصابة بالنّوع  الثّاني من مرض السكّري.

يجب على المريض مُحاولة تخفيض مقاومة الأنسولين و ذلك يتم عن طريق:

1- ايقاف السكريات والنشويات  والمشروبات الغازيّة  مع تقليل عدد مرات الطعام أو الصّيام كما في نظام الكيتو .نظام الكيتو .

2- تقليل الكورتيزول و ذلك بتقليل العصبية والانفعال.

3- النوم ليلاً لمدة لا تقل عن 8 ساعات متواصلة في غرفة مظلمة  والأستيقاظ باكراً.

4- الرياضه لزيادة حجم العضلات وبالتالي تتوضّع عليه المزيد  من المستقبلات التي تسمح للانسولين بإدخال السكر لتحويله إلى طاقة.

هذا يكون أفضل من أدوية السكّر التي تُخفّض مستوى السكر، لكن تُظهر أعراض أخرى مثل ارتفاع الكوليسترول، تشكّل دهون الكبد و البنكرياس ، و دهون على اللسان( تشحّم اللسان).

هذا النوّع من مرض السكري هو الأكثر انتشاراً، ويُمثّل تقريباً من 90 إلى 95 % من بين عدد المرضى.

بشكل عام يُعتبر مستوى السكر في الدّم الأقل من 100 ملليغرام لكل  ديسيلتر طبيعياً، لكن عندما يكون  بين 100 إلى 125 ملليغرام /ديسيلتر قبل الطعام فهذا دليل على مُقدمات السكري.

أسباب مرض السكري نوع ثاني:

1- مقاومة الانسولين: حيث تضعف حساسية الخلايا للانسولين فلا تسمح له بإدخال السكر لتحويله إلى طاقة، فترتفع مستويات السكر ومستويات الأنسولين في الدم.

2- عدم قدرة البنكرياس على افراز كميّة كافية من الانسولين للسيطرة عى مستويات سكر الدم.

3- يوجد سبب خفي للإصابة بالسكري وهو الزيادة المفرطة للحديد في الجسم، هذا مفاجئ لأننا نعلم أن الحديد مفيد للجسم لكن المشكلة مع الحديد صعوبة التخلّص منه، كّما زادت كميّة الحديد كلّما أصبح أكثر تدميراً لخلايا بيتا في البنكرياس، ممّا يسبب مشكلة كبيرة مع إفراز الانسولين.

  أعراض مقاومة الأنسولين:

تبدأ أعراض مقاومة الأنسولين بالظهور في مرحلة ما قبل مرض السكري وتستمر خلال المرض نذكر منها:

1- كثرة عدد مرّات التبوّل ليلاً.

2- الجوع والرغبة بتناول الكربوهيدرات.

3- ضعف قدرة التحمّل عند التمرين  والشعور بالتعب.

4- دهون البطن وهي من أبرز الإشارات الدّالة على مقاومة الأنسولين وتشحّم الكبد.

5- ارتفاع الكوليسترول والشحوم الثلاثية، ارتفاع ضغط الدم.

6- متلازمة المبيض مُتعدد الكيسات.

7- بقع جلدية داكنة،  جلد سميك و خاصّةً عند مفاصل الأصابع و في بعض الاحيان ظهور الثآليل أو ظهور كُييسة.

– ما هي مضاعفات مرض السكري؟

1- الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

2- يؤثر على الكلى و وظائفها وقد يؤدي إلى فشل كلوي.

3- تضرر شبكيّة العين و قد يُسبب العمى.

4-مرض الزهايمر

5- اعتلال الأعصاب: وهو التهاب وتلف في الأعصاب، يؤثر على الأطراف يبدأ الشعور بالوخز والتنميل ثمّ الآلام و عدم القدرة على تحريك القدمين. و تُصيب أيضاً الأعصاب  اللا إرادية .

 

– مرض السكري عند الأطفال:

في البداية يوجد عند الطفل استعداد وراثي ثم يأتي عامل خارجي مثل فيروسات معينة تدخل الجسم، فبدل من أن يتّجه الجهاز المناعي لمحاربة الفيروسات،  يُهاجم بالخطأ الخلايا المنتجة  للأنسولين في الكبد فتُصاب هذه الخلايا بالتليّف، و يتوقف انتاج الأنسولين.

مرض السكري عند الأطفال هو من النّوع الأوّل، أما الآن فبدأت تظهر بعض حالات النّوع الثاني عند الاطفال والمراهقين نتيجة تناول الوجبات الجاهزة  و التي تُسبّب السمنة فينتج عنها سكّر نوع ثاني.

من 35  إلى 50 %  يأتي السكّر عند الأطفال مثل حموضة في الدم أي يسبب غيبوبة سكر ، قد تكون هذه الغيبوبة هي أول علامة قد يعرف منها الأهل  أن ابنهم مريض سكر.

متى يشك الأهل بأن الطفل لديه مرض السكر؟

1- كثرة العطش نهاراً، والاستيقاظ ليلاً لِشرب الماء.

2- كثرة التبول.

3- ضعف البنية بالرغم من الشهيّة الكبيرة لتناول الطعام.

4- التهابات مُتكررة.

هنا تظهر أهمية التثقيف  بمرض السكري لدى الأهل والطفل وفي المدرسة أيضاً، يجب إعطاء المعلومات الكافية للأهل والطفل خلال عدّة أيام  والشرح عن هذا المرض و نوعيّة الغذاء ، وأهمية الالتزام بالأكل الصحّي، وطريقة أخذ حقن الأنسولين، مع  تعليم طريقة التعايش مع هذا المرض.

 – مرض السكري عند الحوامل:

تكون المرأة ليست مريضة سكر، لكن يظهر معها السكّر في الشهر الخامس أو السادس من حملها، يحدث ذلك لأنّ المشيمة تُفرز هرمونات  هذه الهرمونات تجعل الخلايا مُقاومة للأنسولين،  فيبدأ السكر بالارتفاع قليلاً.

يوجد عدّة أسباب لتكوّن سكر الحمل منها:

– الوزن الزائد في بداية الحمل أو عندما تكون كتلة الجسم أكثر من 30  يكون مؤشر للإصابة بسكر الحمل،

– تاريخ مرضي في العائلة.

–  وجود  مُتلازمة تكيّس المبايض عند الحامل.

– وفاة جنين سابق في الرحم.

– السمنة وزيادة أكل  الكربوهيدرات.

المضاعفات  التي تؤثر على الأم و الطفل:

1- عندما يزيد مستوى السكر  في الدّم، يُخشى أن تُصاب الحامل بغيبوبة سكّر.

2- قد يؤدي إلى فرط نمو الجنين، فزيادة وزن الجنين يُسبب مشاكل عند الولادة الطبيعيّة أو القيسريّة، فقد يُصاب الجنين بكسور أثناء الولادة.

3- زيادة السائل الأمنيوسي الذي قد يؤدي إلى ولادة مبكّرة، أو نزول السائل قبل موعده.

4- يؤخر نمو الرئة عند الجنين.

5- بعد الولادة قد يُصاب الطفل بهبوط سُكّر.

لذلك يجب أن تكون الأم  والطفل تحت المراقبة  خلال فترة الحمل، وبعد الولادة في المشفى.

بمجرّد الولادة يختفي السكر عند الأم، لكن يُصبح لديها قابلية للإصابة بمرض السكّر من النّوع الثاني لاحقاً، لذلك يجب على السيّدة فحص السكر  كل سنة، وتناول الأكل الصحّي مع مُمارسة الريّاضة، لتقليل احتمالية إصابتها بداء السكّري.

أما الطفل بعد الولادة، فيكون لديه قابليّة للسمنة والإصابة بمرض السكّري نوع ثاني عندما يكبر، وهنا نُكرر أهمية الغذاء الصحّي البعيد عن السكريات والكربوهيدرات و أهميّة الريّاضة.

 – العلاقة بين الخلايا الجزعية وعلاج السكّري

أولاً لنتعرّف ما هي الخلايا الجزعيّة :

الخلايا الجزعيّة هي خلايا جنينيّة لديها القدرة على التحوّل إلى خلايا أعضاء أخرى، فقد تتحوّل إلى خليّة كبد أو خليّة  بنكرياس أو كلى ،  وبالتّالي بدأت الأبحاث على تحويل خلايا جزعيّة  إلى خلايا بيتّا مُنتجة للأنسولين.

فهي طريقة علمية تعتمد على تحويل الخلايا الجنينيّة إلى خلايا تُنتج الأنسولين و تجعلهُ يتوفّر تلقائياً في جسم الإنسان ويضبط مستويات السكّر في الدّم ، ستكون  نتيجة هذه الأبحاث هي علاج لمرض السكّري نوع أول، والتخلّص من استخدام حقن الأنسولين.

بدأت الأبحاث بداية التسعينات، لكنّها واجهت بعض المشكلات:

1- المشكلة الأولى هي كيف يتم تحويل خلايا جزعيّة إلى خلايا بيتّا، ويتم ادخالها داخل الجسم وتبدأ العمل فعلياً مثل خلايا بيتّا الطبيعيّة وكيف تشعر بالغلوكوز(السكر) وتُفرز أنسولين.

2- الخلايا الجزعيّة هي خلايا محدودة العدد، لا يُمكن توفير أعداد كبيرة منها، لذلك نحتاج إلى مصدر ثاني لإنتاج خلايا بيتا، وبالفعل نجحوا في انتاج خلايا بيتّا من خلايا الجسم العادية.

3-  كيف يستطيعوا زيادة خلايا بيتّا لِتعمل كبنكرياس بديل، و تمّ ذلك عن طريق المُفاعلات الحيويّة.

4- عندما يُدخلون هذه الخلايا إلى الجسم يبدأ الجهاز المناعي بمهاجمتها على أساس أنها جسم غريب، فيقوم بتكسيرها وبعد فترة تفقد فاعليتها، و بعد محاولات عديدة استطاعوا وضع خلايا بيتّا في شيء يُشبه الكبسول يستطيع تمرير السكّر الذي في الدّم ويُفرز الأنسولين.

تم تجريب هذه الأبحاث على شخص وأعطت نتائج مُبهرة، لكن يجب الاستمرار في هذه التجارب لمدة خمس سنوات لمعرفة الآثار الجانبيّة للعلاج.

أخيراً نتمنى أن تكون الخلايا الجزعيّة هي الأمل والعلاج للأطفال المصابين بالسكري نوع أول، مع التركيز على أهميّة الغذاء الصحّي ومُمارسة  الرياضة  لمرضى السكر، والأهم أن يكون جميع المرضى تحت اشراف طُبّي مستمر  بالإضافة لإجراء تحاليل الدّم اللّازمة  بشكل  دوري، وعدم استخدام أي دواء  دون  وصفة طُبيّة.