في وسط أمواج الحياة المتلاطمة و في طريق الوصول للاستقلال المادّي، نرى امرأة تتخبّط بصعوبة باحثة عن النّجاة وامرأة قاسية مهمّتها أن تعيق نجاة الأخرى، ومن هنا ظهر مفهوم متلازمة ملكة النحل.

سنمضي معًا في رحلة تعريفيّة لهذا المفهوم، ونكتشف معًا زاوية مظلمة وسريّة في عالم النّساء المثير للجدل.

ما هي متلازمة ملكة النحل ؟

كما تتسيّد النّحلة الملكة خليّتها، تتسيّد بعض النّساء نتيجة مناصبهنّ المهنيّة المرموقة النساء الأخريات، ويبدين اضطهادًا ملحوظًا لهؤلاء اللّواتي يقع منصبهنّ في درجة أدنى ضمن السلّم الوظيفي، ففي عُرف ملكة النّحل أنّ تلك النّساء غير مستحقّات لوجودهنّ في تلك المرتبة، فيبدين انتقادًا عنيفًا وتقييمًا ظالمًا وكلامًا لاذعًا غير منصف بحقّ الأخريات، في ظاهرة تسمّى متلازمة ملكة النحل.

وكما جرت العادة، فانّ الحالة  المتكرّرة في أماكن وأزمنة مختلفة تأخذ نصيبًا كبيرًا من الدّراسات، فنالت هذه الظّاهرة كثيرًا من البحث وأُطلق عليها اسم متلازمة مجازًا،وذلك لبيان انّه يلزم لظهورها أن تكون هناك أنثى، وفي منصب مهنيّ عالي، وتبدي اضطهادًا للأخريات في المناصب الأدنى، ف عند اجتماع هذه اللّزوميّات أصبحت متلازمة.

صاحبة العمل تقوم بطرد موظفة لديها

الأسباب الحقيقيّة لظهور متلازمة ملكة النحل

هنالك العديد من الأسباب لظهور هذا الاضطراب، نذكر منها:

معاناة الأنثى من التّمييز حسب النّوع منذ قديم الأزل:

عانت الأنثى من التمييز العنصريّ المبنيّ على النّوع منذ أزمنة قديمة جدًا، وواجهت العديد من الصّعوبات لإثبات أحقّيتها في أن تكون صاحبة القرار في حياتها على أقل تقدير، و سُلبَت منها حقوقها في تقرير مصيرها، وتمّ اعتبارها مخلوق هامشيّ ذو دور محدود وغير قادر عقليًّا على إنجاز مهام منطقيّة، وفي التّاريخ وحتّى في روايات الأجداد أمثلة لا زالت حيّة شاهدة على ذلك.

ونتيجة لهذه المعاناة، فقدت العديد من الإناث ثقتهنّ بقدرتهنّ على النّهوض، وأعلنَّ الاستسلام بل وحاربن ابداعهنّ في المجال المهني، فأصبحت المهارات في مجال العمل ضامرة.

وعلى الجانب الآخر هناك مجموعة من النّساء تغلّبن عل تلك المصاعب، واستطعن تدريجيًّا التّطوّر حتّى الوصول لمناصب مهنيّة مرموقة، لكنّ ذاكرة الأنثى الشعوريّة أصلب من الألماس، ف حملت هؤلاء مشعل الظّلم بكل براءة وذلك عندما يتعلّق الأمر بأنثى أخرى في منصب أدنى، ففي داخلهم تبقى قناعة تقول للأخريات: (درب التّطوّر ليس سهلًا، ولكي تستحقّي التّرقية يجب أن تعبري على جسر الصّعوبات، كما عبرت أنا تمامًا وإلّا ف ابقي مكانكِ! ).

التّمييز المهني القائم على النّوع

 الأنوثة والنّجاح خطّان لا يلتقيان:

لا بد أنّك لاحظتي سابقًا، أنّ كثيرًا من السيّدات في المناصب الوظيفيّة العالية، يمتلكن سمات شخصيّة ذكوريّة واضحة، فلا عجب من أن نلاحظ أن صوتها الحاد والعالي من الممكن أن يسبّب للموظفين صداعًا حادًّا، ولن ننسى أيضًا نشوء عداوة واضحة بينها وبين مساحيق التّجميل، فهي إمّا أن تتحوّل إلى مهرّج بسبب استخدام تلك المساحيق بصورة مبالغ بها، أو أن تراهاسمًّا لن تقترب منه طيلة حياتها، وبالطبع لاحظنا أيضًا بعض الصّفات الموحّدة في اللّباس وموديلات الشّعر، والّتي لا تذكّرنا في الغالب بالأنوثة … بل على العكس تمامًا.

انطلاقًا من كل ما سبق، نجد أنّ المعتقد المتأصّل والمتجذّر في أذهان ملكة النّحل، يتلخّص بأنّ النّجاح يعني رجل، وأنّ المناصب العليا تتطلّب صفات ذكوريّة معيّنة، وأنّ التّطور لن تتم صناعته إلّا بِيَد ذكر أو أنثى استعارت من الذّكر بعضًا من صفاته.

ولهذا نجد أنّ العديد من الإناث في المناصب العليا، يبدين عدم قناعة مسبقة بأنثى أدنى منهنّ وظيفيًّا و ذلك نتيجة لمظهرها الخارجي فقط، حتّى وإن أظهرت الأخيرة كفاءة عالية ومهارة واحترافيّة، فَكل ذلك لا يهمّ ملكة النّحل، فَهي لا تراها سوى كائن بعيد عن النّجاح، عاطفيّ بطريقة سلبيّة، حيث سيقضي هذا الكائن ـ بحسب مخيّلة الملكة ـ عطلة نهاية الأسبوع حتمًا مع الأبناء أو الأهل، و الكارثة الكبرى تحلّ عندما تكون العطلة مع الشّريك، في حين أنّ الملكة النّحلة ستقضي عطلتها كباقي العطل، بين الأرقام.

إذًا في موازين ملكة النّحل، لن تستحق الأخريات الرّحمة والفرصة حتّى يتحوّلن لكائنات تهتم بالأرقام لا بالعواطف.

امرأة تحمل صفات ذكوريّة

 الظروف الشّخصيّة في حياة ملكة النّحل

في جميع التجمّعات النّسائيّة، والتي لا تخلو طبعًا من الطّرائف والتّنمّر والمجاملات والصّدق والكذب، سنلاحظ حضور نموذج مكرّر من النّساء النّاجحات مهنيًّا والمخفقات عاطفيًّا.

تلك النّساء اللّواتي قرّرن بعد العديد من التّجارب العاطفيّة، أن يصبحن مستقلّات ـ بحسب روايتهنّ ـ وأن يهبن وقتهنّ لبناء أنفسهنّ كنساء وضعن العواطف جانبًا، ف استطعن أن يحصلن على لقب القدوة في نظر صغيرات العائلة، وعلى لقب (المسترجلة) في نظر كبيرات العائلة، وعلى لقب العانس في نظر فتيات العائلة المرتبطات، وعلى لقب المحظوظة في نظر المتزوّجات اللّواتي تزوّجن في سنٍّ صغير جدًّا، ولم يتاح لهنّ اختبار شعور الاستقلاليّة.

عندما يصل هذا النّموذج لمنصب وظيفيّ عالٍ، سيمتلك طاقة عدائيّة لا إراديّة لكل أنثى تلبس خاتمًا في إصبعها يدلّ على ارتباطها، و لكل أنثى حازت على نظرة إعجاب من رجل معيّن، وكان هذا الرّجل من ممتلكات ملكة النّحل ـ حسب اعتقادها طبعًا ـ وعندها أعدكِ… ستتحوّل الملكة النّحلة إلى الوحش النّحلة.

كيف سأستطيع التغلّب على تأثيرات متلازمة ملكة النحل ضمن رحلتي المهنيّة؟

يجب أن تعلمي أنّ مديرتك المصابة بهذا الاضطراب، لا تدري أصلًا أنّها مصابة به!

وعلى العكس تمامًا، فهي تظن أنها تتصرف بمثاليّة معك، بل وتدفعك للتّطوّر المضاعف والنّجاح!

ربما معظمنا قد شاهد الفيلم الأميريكيّ The Devil Wears Prada ،حيث لعبت الممثّلة ميريل ستريب دورًا تظهر فيه متلازمة ملكة النحل بشكل واضح، حيث كان من الواضح أسلوبها السّيّء في التّعامل مع من يساعدنها مهنيًّا، حتى أنّها كانت تتعمّد تكليفهنّ بمهام تعجيزيّة، وعند نجاح بطلة الفيلم في اجتياز جميع الاختبارات استطاعت الحصول على المنصب الذي حلمت به دومًا، فهنا كان أسلوب ملكة النّحل حافزًا للتّطوير عندها، ولكنّه أسلوب محبط للعديد من النّاس ومنهم أنا في الحقيقة.

و لكي تستطيعي التكيّف مع المسؤولة عنك مهنيًّا، والتي تبدو عليها متلازمة ملكة النحل كصفة واضحة في تعاملاتها الوظيفيّة، سأهمس لك ببضع طرق سريّة، اقرئيها جيّدًا :

1. أظهري الجديّة ضمن فترة العمل، وهنا لا أقصد الجديّة في العمل المنجز بل أقصد الجديّة في ملامح الوجه، وطريقة اللّباس، وحذاري حذااري من نبرة الصّوت بنكهة الدّلع الأنثويّ، قومي بتأجيل استخدام هذه الميّزة خلال فترة التواجد في العمل.
2. احرصي على اختيار أحاديثك بدقّة، فلا داعي أن يعلم الجميع عن الهديّة التي أتى بها شريك حياتك إليكِ ! ف كما يقولون (الحيطان لها آذان) ومن الممكن أن تصيبك لسعة النّحلة والتي تدريجيًّا ستسبّب في طردكِ خارجًا، حيث من الممكن أن تتم حياكة المؤامرات لخلق أسباب منطقية للقيام بطردك،و ذلك وفق مغهوم يسمّى في علم النّفس بالعدوان العلائقي .
3. الأنثى ستبقى أنثى، فلامانع من بعض كلمات المديح بطريقة صحيحة وفي الوقت الصّحيح.

تحقيق النّجاح المهني

وفي النّهاية، عندما تسلكين طريقًا صحيحًا، وعندما تكون أهدافكِ واضحة، وعندما يقترن العمل بالشّغف فستستطيعين بسهولة التغلّب على كل الأخطار والعوائق في مسيرتك المهنيّة، ف ليس هناك أقوى من النّيّة المصحوبة بالعمل، فلنتعلّم مهارات التّعامل مع الآخرين ولنتقبّلهم كما هم، وسنحقّق النّجاح حتمًا.