لا بُدّ من أنك سمعت مراراً وتكرارً بكلمة الشغف حتى أنه في الآونة الأخيرة أزداد التركيز على ضرورة وجود الشغف وخصوصاً في العمل،حيث عليك أن تكون شغوف بعملك قبل البدء فيه،و تكرر المصطلح بشكل يثير القلق،دائماً ما يتم تداول هذا المصطلح خلال العمل أو الدراسة الأكاديمية أو حتى الدورات التدريبية، وفي حال أكتشفت أنك لم تحقق وصف الشغف خلال عملك أو مسار حياتك سوف تشعر أنك لم تفعل شيء يدعو للأهتمام بعد، وهنا تكمن المبالغة في استخدام المصطلح وفرضه أحياناً خصوصاً أنه جديد وغير واضح وليس هناك طريقة واضحة لإيجاده.

هذا لايعني أنه لا نفضّل أتباعه أو أستخدام المصطلح في العمل أو الدراسة الأكاديمية و لكن ليس بالطريقة التي صدعت رؤوسنا خلال المحاظرات والمنشورات و ورشات العمل فلا يمكن أن يتشكل الشغف فجأة فور التفكير فيه ومجرد طرح الموضوع أمامنا.

و لنعرف أكثر حول الموضوع و خلال البحث عن أصل كلمة الشغف حسب وكيبيديا نجد أنها تمس العلاقات الشخصية أكثر من علاقات العمل و مسارات الحياة الآخرى…ويعرف عادةً: على أنه شعور بحماس عالي ، أهتمام كبير، ورغبة عارمة تجاه شخص أو شيء ما أو فكرة معيّنة .

ملاحقة الشغف

أتبع شغفك

أتبع شغفك

تلاحقك هذه العبارة في ورشات العمل في الدورات التدريبية وخلال التعريف على الأختصاصات الجامعية، وهي بالأساس تمُسّ حالات الحب والعلاقات الشخصية و الإنسانيّة، و من الرائع أن تكون شغوف بمهنتك وعملك ولكنه ليس شرط للنجاح ، فالكثير من قصص النجاح كانت لأشخاص اضطروا للدراسة أو عمل لا يحبونه لكنهم نجحوا وحققوا نتائج عالية بدون السماع عن وهم الشغف وضرورة أكتشاف وحب لعمل معين قبل البدء بالتنفيذ، من ثم أصبح ذاك العمل هو شغفهم، ومن الحكمة أن لا ينساق الشخص وراء مصطلح” أتبع شغفك “بشكل عشوائي فالكثير من المتحدثين حول هذا الموضوع ينصحون الناس بترك أعمالهم و وظائفهم وملاحقة شغفهم بحجة أنه سيزيد مردودهم المادي ويحسن من صحتهم النفسية ويؤمن لهم المستقبل المشرق، إلا أن تلك النصائح تبقى كلام دون جدوى خصوصاً في حال أن الشخص لا يدري ما شغفه ولايدري كيف يبحث عنه، وليس لديه فكرة فيما إذا كان هذا الشغف الذي تخلى عن وظيفته لأجله سيدر عليه الأرباح الماديّة التي تضمن له الحريّة والأستقرار والنمو.

ومن هنا سُميّت الدورات المكثفة والأحاديث التي تتناول فكرة” إيجاد الشغف هو شرط الحياة السعيدة ” بأنها تتحدث عن وهم الشغف، ما لم ترافقها إضاءات حول أهمية الخوض في رحلة أكتشاف الشغف بعقلانية و خطوات مدروسة لضمان الوصول دون خسائر قدر الإمكان،و فيما إذا أكتشفت شغفك بالصُدفة لابُدّ من العقلانيّة في تحديد مسار تطوره ،و من الحكمة عدم الإنجرار وراء الأحاديث اللامعة دون إدراك ،ومن الضروري أن لا يتخلى الموظف عن وظيفته ملاحقة لمستقبل مجهول الهوية ولكن يمكنه الخوض في الأكتشاف و تجربة عدة أعمال إلى جانب وظيفته ريثما يجد ما يحب ويطمح إليه ثم ينتقل إلى المرحلة التالية في رحلته بأمان أكبر.

إن معرفة شغفك و أتباعه والعمل عليه في الواقع يفيدك من ناحية تحقيق الإنتاجية العالية وإنجاز الأعمال و يؤمن لك بيئة سليمة للإنجاز والنمو، لكن عليك أن لا تتوقع إيجاده قبل ممارسة عدة أعمال تمكّنك من ذلك .

البحث عن الشغف

كيف تجد شغفك؟

يقول أحمد الشقيري خلال حديثه حول الشغف:

يحدث الشغف تجاه شيء سلبي أو إيجابي ولا يأخذ وقتاً كي يحدث ويصعب الخروج منه إذا حدث

أي غالباً ما تكتشف شغفك عن طريق الصدفة، وعندما يكون المرء شغوف بعمل أو علاقة ما فإنه يصعب عليه الخروج منها حتى لو كانت مؤذية، وبعبارة أخرى أنت هنا لا تبحث عن الشغف لكن هو ينمو معك و تنغمس به دون إختيار.

من جانب آخر طرح موضوع الشغف خلال جلسة حوارية حول بناء المسار المهني للرائعين فادي عمروش و إياد يعقوب، واتفقوا في الحوار على أن الشغف في العمل هو أن يحب الشخص ما يعمل به لدرجة كبيرة، يعمل عليه ويتقنه ثم يسمى بشغفه .

ويقول إياد يعقوب : حُب الشيء لا يكون لما تفعل، بل يكون لكيف تفعل ذلك.

ويؤكدان على أنه لا يأتي حُب العمل عن طريق الصدفة أو بشكل غير عملي بل يأتي بعد تطبيق فعل معين لأكثر من مرّة واكتساب الخبرة فيه.

نظرياً عليك التفكير فيما تفضّل من الأعمال أو الهوايات ومن ثم إمكانية تطبيق ذلك العمل مراراً وتكراراً دون ملل و من الأفضل إذا كان تنفيذ ذلك العمل يضيف نوع من المتعة على حياتك رغم مصاعبه و يعود عليك بمنفعة سواءً مادية أو نفسية أو يساعدك في تطوير ذاتك وخبراتك أو أنه داعم لعملك أو يصلح أن يكون عمل مستقبلاً، يمكنك فيما بعد البدء بالتنفيذ والعمل بشكل مكثف حتى لو لم تحصد النتائج خلال فترة زمنية قصيرة، تذكر أن تحصيل النتائج يكون بشكل أُسّي على مدار سنوات، في حال أتقنت ماتعمل عليه وأصبحت ماهراً فيه ها أنت قد وجدت شغفك ، وفي حال لم تعجبك التجربة أو أردت تنفيذ تجربة أخرى إلى جانب السابقة لا بأس فتلك العملية تزيد من رصيد خبراتك وتدعم أهتماماتك اللاحقة بالطبع، من الممكن أن تَمُر بعدة تجارب وأعمال لإيجاد العمل الذي تُحب ،حتى لو أستغرقت رحلة البحث مدة زمنية طويلة في النهاية لا بد من إيجاد ضالتك ،ولا يقتصر الشغف ضمن العمل على مجال واحد فقط بل يمكن أن يحدث ضمن أكثر من مجال.

نتائج العمل بشغف

هذا ما يوفره لنا الشغف في العمل

ماذا يوفّر لنا الشغف في العمل؟

إذاً في الحقيقة يكون الشغف نتيجة عمل جيّد نقوم به ونتقنه لدرجة عالية حتى تتشكل مهارة كبيرة فيه، وفي حال وصلنا لما نُحب من عمل بالطّبع سوف نغضّ النظر عن المتاعب ونتجاوزها بسهولة.

إذا أنجزت عملك بحُب سوف يزيد ذلك من درجة الإبداع حيث يتم إنجاز العمل بشكل مميّز ومتفرّد يمكّنك من زيادة الإنتاجيّة واجتياز العقبات بذكاء حيث تزداد الثقة بأعمالك، وهذا ما يؤمّن الوصول نحو الحرّية في العمل والمال ،وإنهم لعاملين مهمين ليكون الشخص ذو تأثير في المجتمع عموماً وفي مجال عمله بشكل خاص، ومن المؤكد أن إتباع هذا الطريق سوف يودي بنا إلى الإستقلاليّة الحقيقيّة التي تنعكس بشكل إيجابي عل الصحة الجسديّة والنفسيّة ومقدار الثروة والقدرة على إتخاذ القرار بحريّة.

إذاً على الشخص أن لا يعيش وهم البحث عن ما سوف يكون شغفه بدون عمل وتجربة وبشكل نظري فقط لأنها ليست الطريقة الأمثل لأتباعها، بل على الشخص حصر أكثر من مسار يريد العمل عليه،وخوض تجربة عمليّة حقيقيّة وممتعة في كل مجال حتى الوصول لمستوى عالي فيه، وإذا وجد ما يريد العمل عليه و أتقنه وأحترف فيه هنا يكون الفرد وصل لشغفه ،وبإمكانه تطويره على مدار السنين وأختيار أكثر من مجال للإبداع إلى أن يخلق مساحته الخاصّة التي يستطيع من خلالها الوصول لأعلى مستويات الإبداع والتأثير.

“إن إتقان مهارة نادرة وقيّمة هو المفتاح لتوليد حياة رائعة وهو أكثر أهمية من متابعة شغفك أو مطابقة حياتك المهنية بشخصيتك”

كالفن نيوبورت

خلاصة القول أنه بإمكان كل فرد في المجتمع إيجاد شغفه عن طريق المثابرة والأحتراف في أكثر من مجال وإيجاد مهارة ما يتقنها إلى أن تصبح شغفه بلإضافة لعمله الحالي، ومع تقدم العمر يمكنه تجربة أشياء جديدة أكثر غموضاً وتعقيداً وإتقانها فيما بعد، ولايقتصر الأمر هنا على العمل بل على كلّ جوانب الحياة .

فيما إذ كنت لم تجد شغفك بعد ف عليك الإستمرار بعدة تجارب عمليّة حتى تتجه نحوه وتصل إليه.