اعتزال اللاعبين كرة القدم هو العنوان الأمثل لمقالتي اليوم، ولكن بعد نهاية كتابتي لهذه المقالة ونشرها، هل سأجد على صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي خبر اعتزال لاعب كرة قدم جديد؟!… لا أعلم.
فمنذ بدء العام الحالي 2024 حتى تاريخ هذا المقال قد وضع 11 لاعب كرة قدم نقطة النهاية على سطر مسيرتهم الرياضية، فالبداية والنهاية وجهان لعملة واحدة، ومجرد تجاوز اللاعب حد الثلاثين يبدأ العد التنازلي ليبلغه جسده بأن عليه أن يأخذ القرار الأصعب، ألا وهو اعتزال كرة القدم، فهي حقيقة لا يمكن إنكارها سيعيشها كل لاعب احترف وعشق كرة القدم… وهنا السؤال الأهم ماذا سيفعل لاعبي كرة القدم بعد الاعتزال؟!
حيث تعتبر النجومية في كرة القدم حالة تستمر لفترة معينة، عادةً ما تبدأ بالزوال تدريجياً، مع ابتعاد اللاعب عن الملعب الأخضر، وتوقفه عن اللعب نهائياً، وهناك القليل من الاعبين الذين يحاولون البقاء في عالم أضواء المستديرة باستمرارهم بعد اعتزالهم بالعمل الرياضي على اختلاف مناصبه، ومنهم من يبتعد كل البعد عن كرة القدم ويتجه لعالم مختلف كالاستثمار والأعمال التجارية، ومنهم من يجد نفسه بعد فترة ليست بالطويلة أمام الإفلاس والإدمان، وعلى اختلاف ما يمتهنه بعد الاعتزال، تبقى تجاوز الأزمة النفسية التي يمر بها اللاعب خلال هذه الفترة هي الأكثر صعوبة من غيرها لما تشعره بحالة تسمى “الاكتئاب بعد الاعتزال”.
حياة اللاعبين بعد اعتزال كرة القدم ما بين التدريب ومجالات أخرى
كما تحدثت سابقاً الكثير من لاعبي كرة القدم يفضلون البقاء داخل الملاعب الخضراء، وتولي مناصب رياضية جديدة إما في التدريب أو العمل الفني أو أي نوع من أنواع المهام الإدارية داخل كوادر الفرق، أو حتى قد يتجه البعض إلى مجال التعليق والتحليل الرياضي على القنوات التلفزيونية، بينما الآخرون يسلكون طريق مغاير تماماً، ويتحولوا من خلاله لرجال أعمال مرموقين، ويحققون أرباح أضعاف ما كان يحققوه في فترة ما قبل اعتزالهم.
اختيار المناصب الرياضية لإكمال المسيرة مع كرة القدم
الكثير من لاعبي كرة القدم لا يجدون أنفسهم إلا داخل المستطيل الأخضر إذ يسعى كل واحد منهم بمجرد نهاية مسيرته كلاعب للبدء بصفحة جديدة لكن بعالم التدريب الرياضي، وأبرز مثال على ذلك ما حدث مع اللاعب الفرنسي “زين الدين زيدان”، الذي وعلى الرغم من توليه بعد الاعتزال منصب استشاري لـ فريق ريال مدريد الإسباني، إلا إنه شعر بالفراغ وقرر الشروع بالتدريب لتبدأ حكاية يعرفها الجميع.
عالم المال والأعمال بعد اعتزال اللاعبين كرة القدم
بالنسبة للبعض الآخر من اللاعبين المعتزلين قد يبتسم لهم الحظ في عالم المال والأعمال، ويعد اللاعب الإنكليزي “ديفيد بيكهام” أبرز النماذج على ذلك، فمنذ أن قرر أن يعلق حذائه، ويعتزل كرة القدم، حتى بدأ حياته الرغيدة في ميادين المال والاستثمار، التي لا تقل أهمية عن الأجواء المثيرة التي تشهدها الملاعب والبطولات، واستطاع أن يسوق نفسه، بشكل جيد، كوجه دعائي للملابس والساعات وغيرها من المنتجات، وأصبح واحد من أكثر الرياضيين شهرة ونجاحاً في عالم رجال الأعمال، وكان نجاحه بالاستثمارات وتسيير الشركات الكبيرة كنجاحه داخل ملاعب كرة القدم.
الإفلاس والإدمان بعد اعتزال كرة القدم
فيما البعض من الاعبين يدفع ثمن غفلته ليجدد نفسه أمام قرار إشهار إفلاسه بعد مدة قصيرة من اعتزاله، إذ كشفت إحصائية بأن 40% من اللاعبين المعتزلين يعلنون إفلاسهم بعد 5 سنوات فقط من الاعتزال، ومثال على ذلك هو الأسطورة البرازيلي “رونالدينيو“، الذي عانى لسنوات طوال من أنباء عن الإفلاس، والعديد من المشكلات الاقتصادية، والأزمات المالية، وعادة ما يمر بعض اللاعبين المعتزلين بمثل المشكلات المشابهة، منهم من يجبر على الاعتزال بسبب إصابة ولا يجد من يدفع ثمنها، أو قد يواجه الاستثمار السيء بعد الاعتزال، مما يؤدي لإفلاسه، ومنهم من يذهب إلى أسوء من ذلك بإدمان المخدرات والخمور.
وفي الآونة الأخيرة نجد الكثير من لاعبي كرة القدم منذ بدء اقترابهم من عمر الاعتزال، يبدأون بالتفكير بالاستثمار وافتتاح مشاريعهم الخاصة البعيدة عن صخب رياضة كرة القدم، وأصبح نجوم كرة القدم العالميون لا يكتفوا بنجوميتهم الطاغية لدى جماهير الساحرة المستديرة، بل صاروا رجال أعمال ومستثمرين كبار يمتلكون بيزنس خاصاً بهم، عبر تأسيس شركات ومجموعات تجارية ضخمة تدر عليهم مئات الملايين من الدولارات، وعلى رأسهم نجد اللاعب البرتغالي “كريستيانو رونالدو” الذي يواصل استثماراته في مجموعة من الشركات التي تعمل في قطاعات مختلفة، حيث يمتلك شركة استثمارية سمَّاها CR7، متخصصة فى الأزياء والقمصان الرياضية والجوراب والأحذية والملابس الداخلية، كما بدأ استثماراته في قطاع الفنادق في عام 2017 بالبرتغال، ليصبح رونالدو واحداً من أبرز الأسماء في عالم التجارة والمال
الاعتزال الجبري أو الطوعي
يعتبر اعتزال كرة القدم أمر حتمي لا مفر منه مهما بلغت فترة ممارسة اللاعب للعبة، وقد تتعدد الأسباب التي تدفع اللاعب إلى اتخاذ أصعب قرار في حياته، منهم من ينهي مسيرته اختيارياً، إذ يحدد وقتاً معيناً ليبتعد عن عالم رياضة كرة القدم، أو قد تجبر الإصابة الجسيمة اللاعب إلى الاعتزال نهائياً بسبب عدم قدرته على الاستمرار في اللعب، وكلا الاختيارين لا تقل صعوبة عن الأخرى، والنتيجة تبقى ذاتها مهما اختلافا.
لكن أكثر ما يتعاطف معه الجمهور ويكون بمثابة صدمة يعيشها عشاق كرة القدم عندما يقرأون خبر اعتزال لاعب في عمر مبكر نوعاً ما، فهناك الكثير من الأمثلة عن لاعبين اضطروا إنهاء مسيرتهم في وقت مفاجأ بسبب الإصابات الرياضية المتكررة التي يتعرضون لها، ومنهم لاعب كرة القدم البلجيكي “إيدن هازارد” الذي قضى فترة ذهبية مع فريق تشيلسي الإنكليزي ليصبح من أفضل اللاعبين بالعالم، لكن انتقاله لنادي ريال مدريد كان بداية لنهايته الكروية، بسبب الإصابات كما ذكرت سابقاً وأيضاً بسبب عدم تأقلمه مع النادي الإسباني.
وهناك امتحان قاسي جداً يبقى فيه لاعب كرة القدم أمام خيارين لا ثالث لهما أما حياته أو بقاءه في الملعب، مثلما حدث مع المهاجم الأرجنتيني “سيرجو أغويرو” الذي اعتزل بسبب مشاكل في القلب تعرض لها، جعلته يعتزل ممارسة كرة القدم، وهو في الـ33 من عمره، وقال “أغويرو” حينها وهو يمسح دموعه: “صحتي تأتي أولا؛ الفريق الطبي أخبرني أنه من الأفضل لي التوقف عن اللعب، ولهذا أغادر البرسا وأعتزل كرة القدم”.
ويوجد أيضاً لاعبين من المؤسف لم ينصتوا إلى جسدهم، الذي وضع حداً ليس لمسيرتهم الرياضية فقط بل لحياتهم، حيث نجد على الصعيد العربي اللاعب المصري “أحمد رفعت”، البالغ من العمر 30 عاماً، وهو لاعب المنتخب الوطني المصري لكرة القدم، الذي وافته المنية خلال المباراة التي كان يلعبها، ضمن منافسات الدوري المصري، وتوفي آثر تدهور حاد في حالته الصحية، إذ تم تجسيد إصابته بأزمة قلبية قبل 4 اشهر من وفاته، وقد سبق وتعرض لتوقف في عضلة القلب لمدة تصل إلى حوالي ساعتين، خلال الدقائق الأخيرة من مبارة كان يخوضها رفقة فريقه.
الحالة النفسية والجسدية التي يعاني منها لاعب كرة القدم بعد الاعتزال
“الاحتراق” هو أبرز مصطلح يطلق لتلك الفترة التي تسبق الاعتزال بخطوات، وما أن تأتي تلك المرحلة حتى تبدأ الضغوطات سواءً النفسية أو الجسدية لتعلن نهاية الحكاية، وبداية قصة “ما بعد الاعتزال”، جالبة معها الفراغ والتشتت، حيث يفقد اللاعب الثروة التي طالما تعود على وجودها، مثل الجانب الاجتماعي وما يحققه من شهرة وعلاقات اجتماعية أو على مستوى الدخل المادي وتسهيلات المعيشة.
لكن ما أن يطرق وحش الاعتزال باب اللاعب حتى ينجرف لتلك الصعوبات والتحديات وتبدأ حياة الشهرة تتبدد تدريجياً ويستملكه الإحساس بالإحباط والفشل فيصاب بمشاكل نفسية قد تؤدي إلى الاكتئاب والعزلة ومشاكل صحية نفسية آخرى، خاصة بعد أن كان ضوء الشهرة مسلط عليهم، وما يزيد الأمر سوء هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي سهل الطرق لمهاجمة لاعبي كرة القدم، وما قد تحمل تلك المواقع من عبارات مسيئة، من قبل الجماهير، دون الآخذ بالاعتبار لمشاعر اللاعبين، وكم الضغوط التي يتعرضون لها خاصة بعد الاعتزال.
في ختام المقالة نجد أن الكثير من اللاعبين يحاولون الابتعاد عن التفكير الجدي في وقت الاعتزال وما قد يسببه ذلك القرار من سلبيات وأزمات نفسية تؤثر في حياتهم باختلاف جوانبها، أما اللاعب الذكي فيحرص على تحديد الوقت المناسب الذي سيعلن فيه نهاية قصته مع معشوقته متصوراً مستقبله سواءً كان داخل أو خارج ملاعب كرة القدم… برأيكم كيف يكون التخطيط الناجح لكي يتجاوز لاعب كرة القدم المعتزل هذه المرحلة؟!
التعليقات 0
اضف تعليق