تشكل الشخصية النرجسية بصفاتها المختلفة تحدياً كبيراً للمجتمعات العربية مؤخراً، فكثيراً ما نلصق تهمة “النرجسية” على الأشخاص دون فهم حقيقي لما تعنيه هذه الشخصية. فبينما يصبح مصطلح “اضطراب الشخصية النرجسية” (NPD: Narcissistic Personality Disorder) منتشراً بين الجميع، نجد قلة من يفهمون سماته الحقيقية وتأثيره السلبي على المحيطين.

فأصحاب هذه الشخصية يمكن أن يبدو جذابين في البداية، لكنهم يُميلون إلى إظهار سلوكيات سلبية ومُدمّرة في العلاقات لاحقًا، مما يجعلهم مصدرًا للِقلق والِألم لِمن يُحيطون بهم.

ويُشير انتشار سمات الشخصية النرجسية إلى وجود مشكلة أكبر، حيث أظهرت الِدراسات ارتفاعًا ملحوظًا في هذه الِسمات بِنسبة تُقدّر بِثلاثين في المائة. من الِجدير بالذكر أن وجود بعض الصفات النرجسية لا يُشير بالضرورة إلى إصابة الشخص بِاضطراب الشخصية النرجسية.

هل تُريد أن تُصبح مُدركًا للِسمات الحقيقية للشخصية النرجسية؟

>في هذا المقال، ستجد دليلاً لِفهم سمات اضطراب الشخصية النرجسية، وكيفية التعامل مع أصحابها، ونصائح والحلول الممكنة لِحماية نفسك من أضرارها.

أعراض الشخصية النرجسية:

يُعتبر اضطراب الشخصية النرجسية من الاضطرابات النفسية المُعقدة والصعبة في التعرف عليها. يُعاني المُصاب بِاضطراب الشخصية النرجسية من رغبة قوية في السيطرة على الآخرين، ويُحاول تحويل الآخرين إلى أعداء بِالتصرف على نحو استفزازي بِاستخدام التلاعب اللفظي والإهانات. يُمكن أن يشعر الطرف الآخر بِالذنب والندم عندما لا يُحقق رغبات النرجسي، مما يُؤدي إلى حالة من تأنيب الضمير المُستمر.

من أبرز صفات الشخصية النرجسية:

التعالي والشعور بالتفوق: يشعر النرجسي بالغرور وإفراط في حب الذات. يمكن أن يلاحظ ذلك بوضوح في تصرفاته النابعة عن سيطرة أوهامه بأنه أعلى من البشر كلهم حيث يرى نفسه في قمة الهرم الاجتماعي (حاسس انو هو أفضل من الكل)، ويحاول أن يظهر ذلك بالطرق كلها.

الرغبة الكبيرة في الثناء والحساسية للنقد: يحتاج النرجسي إلى المديح والتقدير حتى يشعر بِالرضا، ويُدقق جِدًّا في مُظهره الخارجي واختيار الملابس. فهو يُهمّه جِدًّا نظرة المجتمع وإعجابُهم به، وفي المقابل هو حساس جِدًّا للانتقادات. لا يُطيق النقد، ويشعر بِالإهانة عندما لا يكون محط الأنظار.

الانتهازية وعدم التعاطف: يُميل النرجسي إلى استغلال الآخرين لِتحقيق غاياته بِكل أنانية. لا يُقدم أي تعاطف، ويتصرف بِبرود. فهو غير قادر على فهم مشاعرِهم واحتياجاتهم.

شخصية مُتلاعبة: يتعمد النرجسي التلاعب بِالآخرين ومشاعرِهم، ويُحاول إقناعهم أنه أفضل منهم من خلال التخفيض من قِيمتِهم. يُمكن أن يُستخدم الكذب والخداع لِلوصول إلى غاياته وتحريف الحقائق لِجعل الآخرين يُؤمنون بِروايته فقط.

هشاشة داخلية وصراع: يُعاني الشخص النرجسي من قلة الثقة بِالنفس والحسد والغيرة الشديدين، مما يُؤدي إلى ميله إلى العزلة إلا في مواقف التعظيم.

العدوانية: يمكن أن يُصبح النرجسي كَطفل عندما يُغضب، وقد يُلجأ إلى العنف الجسدي واللفظي في حال عدم الاستجابة لِرغباته، يشمل ذلك الشتائم والتحقير والتصرف بشكل مهدد ومخيف، وهذا يؤدي إلى مشاكل في العلاقات والمجتمع.

الشخصية النرجسية

التعامل مع الشخصية النرجسية:

قد يكون التعامل مع شخص مصاب باضطراب الشخصية النرجسية أمرًا صعبًا، وغالباً ما يكون من الأفضل الابتعاد عنهم. لكن، إذا وجدت نفسك مضطرًا للتعامل مع شخص نرجسي، مثل مدير أو زميل في العمل، أو شخص من عائلتك، فإليك بعض النصائح:

التجاهل: النرجسيون مثل الِذئاب، يُحاولون جذب انتباهك لِتُصْبِحَ فريسته. تُجذبهم ردود أفعالك السلبية، لذلك لا تُشارك في لعبتهم الِخطيرة. لا تُعطي لهم الِاهتمام الذي يُريدونه، اتخذ موقفًا باردًا، ولا تُظهر أنك مُنزعج، فهم يستمتعون بإثارة الغضب داخلك، تعمد إخفاء مشاعرك واتركهم يحاولون فهم ما تفكر به، ولا تعطي لهم الفرصة التلاعب بك.

بعد التجاهل عليك أن تكون حازماً، وأن ترسم حدودك، ونقصد بالحزم هنا أن تحدد بوضوح ما تقبله وما لا تقبله من سلوكهم، وأن تقول لا في المواقف التي لا تعجبك وترفضها دون أن تفقد ابتسامتك.

عدم الدخول في جدال في أي نقاش. لا تُحاول إقناعه بوجهة نظرك، وحدد حدودًا لكلامه. مثلاً، إذا شتمك، لا ترد عليه بالشتائم. هكذا تفشل خطته لتدميرك نفسياً، وتنجح في عدم الوقوع تحت تأثيره. فقط قل له ‘كلامك لا يعجبني’، ولا تُنجرّ في جدال معه.

لا تُحاول تغيير شخصيته، وغيّر ردات فعلك تجاه تصرفاته. محاولة تغييره فكرة خاسرة؛ لأنه يرفض أن يُقرّ بِوجود مشكلة.

حصن نفسك من تأثيره السلبي، وتصرف بذكاء. فالغبي هو الذي سيسقط ضحية لتصرفاته، ويقع تحت تأثيره. فالنرجسي مثل مُصاب الأنفلونزا، يُمكن أن يُصيب من حولِه بِأفعاله السلبية. لذلك احم نفسك من تأثيرِه.

للتوضيح أكثر، تخيّل أنّ مديرك في العمل متسلط ويسعى لتدميرك، ويصفك بالفاشل وعدم إتقان عملك. عوضاً عن الغضب، يمكنك أن تُفاجئه بردّ فعل مختلف. أظهر له رغبتك في تحسين عملك، واسأله على نحو مباشر عن كيفية إتقان عملك وعن الخطوات الضرورية لذلك. سجل هذه الخطوات واستفد منها، هكذا تُفشل محاولته للسيطرة عليك.

الشخصية النرجسية

أسباب الشخصية النرجسية:

في الحقيقة لا يمكننا تحديد سبب واحد محدد للشخصية النرجسية، فهي نتيجة تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية المحيطة، وترجح أن تلعب العوامل التالية دوراً رئيسيا في تطورها:

العوامل التربوية:

يمكن لمدح الطفل بشكل مبالغ فيه أن يُؤدّي إلى شعور بِـ “الِغرور” أو توبيخه باستمرار على السلوك الغلط؛ مما يؤثر في شعوره بالذات، ويساهم في تطور النرجسية فالتوازن في التربية يعد أمراً حاسماً.

فضلا عن ذلك فشعور الطفل ب “الفراغ” وعدم الأمان والحب من قبل الأبوين يمكن أن يدفعه إلى البحث عن التأكيد على قيمته بطرق سلبية، ويساعد على تغذية النرجسية.

العوامل البيئية:

تُؤثّر المقارنات السلبية على شعور الطفل بِـ “الِذات” وِتُؤدّي إلى شعور بِـ “النقص” وِخوف من “الِرفض”، ما يدفعُه إلى “التحكّم” بِـ “الآخرين” لِـ “إقناعهم” بِـ “قيمته”.

العوامل الوراثية:

يُشير بعض الباحثين إلى أنّ هناك استعدادًا وراثيًا لظهور الشخصية النرجسية، يُمكن أن يُساهم في نموها مع وجود العوامل البيئية الملائمة.

العوامل النفسية:

يُمكن لِبعض الاضطرابات النفسية، مثل اضطراب الشخصية الحدّي أو اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية، أن تُساهم في تطور الشخصية النرجسية.

الشخصية النرجسية في الحب:

تُعدّ العلاقة العاطفية مع الشخصية النرجسية تحديًا كبيرًا، فهي تُمر بثلاث مراحل أساسية: تبدأ العلاقة بِـمرحلة مثالية جدًا يُظهر خلالها النرجسي صورته الجذابة، ثم تُصبح أقل مثالية مع ظهور تصرفات النرجسي التي تُقلّل من شأن الشريك تدريجيًا، وفي النهاية تُصبح العلاقة مُتعّبة بِـظهور شخصية النرجسي الحقيقية من خلال التجاهل وِالِانتقادات.

على الرغم من وجود اختلافات فردية بين النرجسيين، إلا أن العلاقات مع الشخصية النرجسية تتميّز بِـمُلامح واضحة تُؤثّر إلى حد بعيد على الطرف غير النرجسي في العلاقة. ومن أهم هذه الملامح:

  • التحكم والسيطرة: يميل النرجسي لفرض سيطرته بشكل تام حيث يعامل شريكه كإحدى ممتلكاتهِ، ويهدف للإلغاء شخصيته.
  • الاستحقاق العالي: يرى الشريك النرجسي أنه من حقه الحصول على الأفضلية في العلاقة من دون تقديم أي شيء بالمقابل، فينظر إلى نفسه أنه أفضل من الآخرين، ومن واجبهم تقديم التضحيات في العلاقة العاطفية.
  • لا يتحمل المسؤولية، ولا يمانع في استغلال مشاعر شريكه لتحقيق مكاسب شخصية.

هل يمكن علاج الشخص النرجسي؟

يعد تغيير الشخصية النرجسية مهمة صعبة جداً، وتعتبر مستحيلة في الكثير من الحالات، حيث يرفض المريض الاعتراف بمرضه، لكن يمكن حماية نفسك من الأذى بالطرق التي ذكرناها سابقاً.

العلاج ممكن، لكن يصبح صعباً جداً حيث يجب إقناع المريض بمرضه لتلقي علاج نفسي، وغالباً لا يراجع النرجسي الطبيب إلا في حالة الاكتئاب التي تنتج نتيجة فقدان الناس من حوله.

ولذلك فإن طلب المساعدة والدعم من شخص موثوق به أو منظمة مختصة بالعنف المنزلي هو أمر مهم جدا لوقف هذه الإساءة ولتحصل على المساعدة اللازمة.