في المشهد الرقمي سريع التطور، برز دمج الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات وأحدث تغييرات جوهرية في معظمها ولعل أبرز هذه المجالات هو مجال الإعلام. فقد دخل الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام كقوة تحويلية، تعيد تشكيل كيفية إنشاء المحتوى واستهلاكه والتفاعل معه. نتعمق في هذا المقال في تقاطع الإعلام والذكاء الاصطناعي، واستكشاف التحديات والاعتبارات الأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام.
في البداية سنتعرف على أحد المصطلحات المتداولة في السنوات الأخيرة وهو مصطلح الإعلام الجديد،
وقد برز هذا المصطلح كبديل للإعلام التقليدي بسبب كون الإعلام الجديد ليس فيه نخبة متحكمة إلى حد كبير أو قادة إعلاميين يمثلون المهنة ويمارسون السلطة عليها، بل أصبح متاحاً لجميع شرائح المجتمع الدخول فيه واستخدامه والاستفادة منه طالما تمكنوا وأجادوا أدواته ! فإن الأمر لن يتعدى سنوات قليلة على أسوأ تقدير ليصبح السمة الأساسية للعصر الحديث الذي نعيشه، وهو بامتياز عصر الإعلام عبر المنصات الرقمية، فشبكات الجيل الخامس فتحت الباب على مصراعيه أمام التحول في أساليب الممارسة الإعلامية استناداً إلى التقنيات الحديثة، والتي بات جزء كبير منها يتحول نحو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
من هي القنوات الإعلامية الجديدة؟
في الواقع إن المنصات والقنوات الإعلامية الجديدة تعتمد على النشر على الانترنت من مواقع إلكترونية أو منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي والملفت في الأمر أن العديد من أصحاب هذه المواقع والشركات هم نفسهم مطورون وجهات فاعلة ومركزية في الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال شركة (ميتا).الامر الذي يدفعنا إلى القول إن الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في الصحافة قد يزيد من اعتماد صناعة الأخبار على شركات المنصات هذه.
كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي حالياً على العاملين في المجال الصحفي والإعلامي؟
في الحقيقة إدخال الذكاء الاصطناعي إلى أي مجال له أبعاد عديدة ونستطيع القول إنه في النهاية عبارة عن أداة إن أجدنا استخدامها أعطت نتائج أفضل وكانت خير مساعد وإن استعملناها بطريقة خاطئة أصبحت مضيعة للوقت وأدت إلى نتائج سلبية ومن هنا يمكن الانطلاق لرؤية بعض المهام التي يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي القيام بها للعاملين في مجال الإعلام:
- أتمتة المهام الروتينية: يمكن الاستفادة من نقاط قوة الذكاء الاصطناعي في معالجة مجموعات البيانات الضخمة ، وبالتالي مساعدة الصحفيين على التركيز على التقارير الأكثر تعقيداً والتي تتطلب تحليل ودراسة.
- يسمح الذكاء الاصطناعي للصحفيين بقضاء المزيد من الوقت في التفكير النقدي، والتشكيك في الافتراضات، وتقييم مصداقية المعلومات. وهذا أمر بالغ الأهمية لأنه في حين يتفوق الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات وتوليد الأفكار، فإنه يفتقر إلى الفهم الدقيق للسياق، والخفايا الثقافية، والقدرة على التعاطف مع الجماهير التي يمتلكها البشر.
كيف يمكن للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام الاستفادة من الذكاء الاصطناعي:
- على الصحفيين تحديد مهام سير العمل المتكررة التي لا تتطلب بالضرورة تفسيراً بشرياً. واكتشاف ما إذا كانت هناك طرق لتتمكن أدوات الذكاء الاصطناعي من تأدية هذه المهام.
- على الصحفي البقاء على اطلاع بأحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الصحافة. كالمشاركة في الدورات وورش العمل والمؤتمرات عبر الإنترنت التي تركز على الذكاء الاصطناعي في الصحافة. يساعد نهج التعلم المستمر هذا في مواكبة المجال سريع التطور.
- كما يجب تشجيع الصحفيين على الخبرة العملية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي: يتضمن ذلك التعرف على المحتوى الذي أنشأه الذكاء الاصطناعي والحصول على خبرة عملية في المهام التي يمكن للذكاء الاصطناعي تحسينها، مثل إنشاء أسئلة المقابلة أو الخطوط العريضة أو الملخصات.
هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي دور العاملين في مجال الصحافة والإعلام؟
على الرغم من المخاوف من استبدال الوظائف، من المرجح أن يؤدي اعتماد الذكاء الاصطناعي في الصحافة إلى تغيير طبيعة الوظائف بدلاً من القضاء عليها بالكامل. يتكيف الصحفيون من خلال تطوير مهارات جديدة، مثل الكفاءة في أدوات الذكاء الاصطناعي والفهم الأعمق لتحليل البيانات، للبقاء على صلة بالمشهد الإعلامي المتطور.
كما يفتح تكامل الذكاء الاصطناعي فرصاً جديدة للصحفيين، بما في ذلك الأدوار المتخصصة التي تركز على الصحافة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وتقنيات سرد القصص المبتكرة. تستفيد هذه الأدوار من نقاط القوة لدى كل من البشر والآلات لإنتاج صحافة عالية الجودة ومؤثرة.
التحديات التي يعاني منها الإعلام نتيجة دخول الذكاء الاصطناعي إليه
- نقص خبرة الكوادر الفنية في استخدام هذه التقنيات الحديثة: العديد من العاملين في مجال الإعلام قد يكونوا في مرحلة عمرية متقدمة الأمر الذي يجعل لديهم خبرة في المجال ولكن غير قادرين على التعامل مع هذه التكنولوجيا الحديثة كما يوجد الكثير من الكوادر الحديثة التي لا تتقن هذه المهارات والتقنيات والتي تحتاج إلى تدريب وتطوير.
- التحديات الأخلاقية: هناك العديد من المخاوف الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام، خاصة فيما يتعلق بقضايا التحيز والخصوصية والتلاعب بالمحتوى وسلوك المستخدم. تمتد هذه المخاوف عبر تطبيقات مختلفة للذكاء الاصطناعي.
- سوء استخدام أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي: أصبح العديد من العاملين يعتمدون بشكل كلي على هذه الأدوات الأمر الذي أدى نتائج كارثية فإن أداة الذكاء الاصطناعي تقوم بجمع البيانات وسردها ولربما تضع معلومات خاطئة الأمر الذي يقود قلة المصداقية وتشويه في سمعة الشركة.
- الذكاء الاصطناعي واللغة العربية: أحد أهم التحديات التي تواجه تقنيات الذكاء الاصطناعي قي عالمنا العربي هي اللغة العربية. إن هذه النماذج يمكن اعتبارها أدوات سحرية ولكن مع اللغة العربية ينخفض أداؤها نتيجة لنقص البيانات التي تم تدريبها عليها.
المخاوف الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام والصحافة
- التحيز:يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي المدربة على مجموعات البيانات أن تؤدي إلى إدامة الصور النمطية والتمييز وعدم المساواة. وينطبق هذا على كل شيء بدءاً من توصيات المحتوى وحتى استهداف الإعلانات والإشراف على المحتوى. ونرى ذلك بأبسط مثال في تطبيق فيسبوك حيث عندما تقوم بمتابعة محتوى معين تقوم الخوارزمية بتوجيه البحث إلى هذا المحتوى بشكل مكثف الأمر الذي يدفعك كمتابع ومستخدم إلى الحصول على معلومات إضافية عن الفكرة بذات الوقت قد تقودك الخوارزمية إلى محتوى لا تريد متابعته الأمر الذي يصبح مزعج في أوقات معينة. كما يحدث حالياً في الحرب على غزة.
- التضليل:يجب أن يعمل الذكاء الاصطناعي على تمكين المستخدمين من التحكم في تجاربهم عبر الإنترنت، بدلاً من أن تملي الأنظمة الأساسية المحتوى الذي يرونه. لعلنا جميعاً أصبحنا نشعر أننا أمام تجربة مقادة نشاهد الأفكار والمعلومات التي يريد التطبيق وأداة الذكاء الاصطناعي توجيهنا إليها.
- المصداقية: لطالما كانت مصداقية الخبر هي مشكلة الإعلام الحقيقي ومع دخول هذه الثورة الرقمية الجديدة أصبح الأمر معقد أكثر بكثير من السابق. يمكن لخبر أن ينتشر خلال ثوان معدودة وتقوم بقية المنصات بتداوله دون التأكد من صحته. الأمر الذي يقودنا إلى التشكيك بأي معلومة نراها ونسمعها على هذه المنصات والمواقع لاسيما مع وجود تقنيات حديثة تجعل الخبر قابل للتصديق. من منا لا يتذكر حادثة التزييف العميق التي حدثت في الحرب الروسية – الإوكرانية وكيف تفاعل المستخدمين على منصة اكس (تويتر سابقاً) حول التغطية الإخبارية لمكالمة الفيديو المشبوهة.
والمغزى من هذا هو أن وسائل الإعلام الإخبارية تحتاج إلى الموازنة بين الفوائد المترتبة من هذه التقنيات في مقابل مخاطر أرباح الكذب وتقويض المعلومات الحقيقية. يجب أن تكون التغطية الإخبارية أيضاً حذرة في تصنيف الصور المزيفة العميقة المشتبه بها والمساهمة في نقل الخبر الصحيح فقط.
بعض الأمثلة لأدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة حالياً في مجال الصحافة والإعلام:
- Klara Indernach (KI): هو نظام ذكاء اصطناعي متقدم قادر على هيكلة النصوص وإجراء بحث شامل للمحتوى وتلخيص كميات هائلة من المعلومات بسرعة وكفاءة.
- Jucer من BBC: أداة ذكاء اصطناعي مصممة لتبسيط سير العمل الإعلامي، وتمكين الصحفيين من التركيز على إعداد التقارير بدلاً من المهام الدنيوية. إنه يجسد كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة العمليات الروتينية، مما يسمح للصحفيين بتخصيص المزيد من الوقت للعمل الاستقصائي والتحليلي.
- Reuter’s News Tracer: يتتبع هذا التطبيق الأخبار العاجلة، مما يحرر الصحفيين من عبء مراقبة التطورات في الوقت الفعلي يدوياً. إنه مثال على كيفية قيام الذكاء الاصطناعي بأتمتة اكتشاف وتتبع الأحداث الإخبارية المهمة.
- منصة Quill للعلوم السردية: تعمل هذه الأداة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تحويل البيانات الأولية إلى قصص ذكية، وتعرض كيف يمكن للآلات تجميع المعلومات في روايات متماسكة. إنها تمثل تقدماً كبيراً في الصحافة الآلية، حيث يصبح سرد القصص المبني على البيانات أكثر سهولة.
كما يوجد العديد من الأدوات الأخرى التي تعتمدتها الشركات والتطبيقات تبعاً للغاية التي تريدها حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي لأغراض عديدة.
لعلنا في النهاية أمام مشهد سريع التطور ليس في مجال الإعلام فقط بل في جميع المجالات ففي حين أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أتمتة مهام معينة وإنشاء المحتوى، تظل اللمسة الإنسانية لا غنى عنها للتحليل النقدي والتقارير الاستقصائية والفهم الدقيق للسياق الذي يعد ضرورياً للصحافة عالية الجودة. يجب على الصحفيين التكيف مع هذه البيئة الجديدة من خلال تطوير المهارات في تحليل البيانات، ومحو الأمية الرقمية، والاستخدام الفعال لأدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز عملهم.
المصادر:
التعليقات 0
اضف تعليق