نمر كأشخاص بالكثير من التغيرات في حياتنا، تتحول شخصياتنا بحسب ما تتعرض له من مواقف. هذا ما يحدث مع الأرض فقد ازدادت كمية الكربون المنبعث، والقليل من الناس اهتم بالبيئة وبالتدوير فحزنت الأرض وغيرت مناخها وبدأت تعليمنا درسًا قاسيًا. كان هذا الدرس كفيلًا بلفت الانتباه إلى أهمية البيئة، وبدأت الحكومات والدول بالسعي لتخفيف انبعاثات الغازات، وبدأت شركات البناء بالتنافس لجعل المباني خضراء.
ما هي المباني الخضراء؟
بحسب الدراسات فإن قطاع البناء والتشييد يفتقر إلى استراتيجية منتظمة لتخفيض الانبعاثات. اليوم، ما يصل إلى 50% من تغير المناخ في العالم سببه قطاع البناء. لذلك فالعمل جارٍ على قدم وساق لتطوير هذا القطاع وجعله أكثر استدامة.
بحسب وكالة حماية البيئة الأمريكية «المبنى الأخضر هو إنشاء الهياكل واستخدام العمليات المسؤولة بيئيًا وذات الكفاءة في استخدام الموارد طوال دورة حياة المبنى: من تحديد الموقع إلى التصميم والبناء والتشغيل والصيانة والتجديد والهدم». يُعرف البناء الأخضر أيضًا بالبناء المستدام أو البناء العالي الأداء.
نبذة تاريخية عن المباني الخضراء
اتحد الإنسان منذ الأزل مع الطبيعة فالإنسان القديم عاش في الكهوف، واعتمد الحجارة والعظام لصنع أسلحته، واقتات من جمع الثمار. أما سكان الإسكيمو فقد اتبعوا أسلوبًا لحياتهم ينسجم مع بيئتهم الباردة، فهم يبنون بيوتهم من الثلج على شكل قبب في طريقة تعتبر معجزة معمارية.
تقدم مفهوم العمارة البيئية في ستينيات القرن العشرين، وزاد الطلب على موارد الطاقة المتجددة إبان أزمة الوقود في سبعينيات القرن الماضي. في عام 1980 سيطر مفهوم الاستدامة وسعت الدول لتوفير الطاقة وزيادة كفاءة المباني. في عام 1990 قدمت المملكة المتحدة أول معيار للأبنية الخضراء في العالم، وتلاه تشكيل مجلس المباني الخضراء الأمريكي عام 1993.
أنشأ مجلس المباني الخضراء الأمريكي في وقت لاحق من تسعينيات القرن العشرين نظام الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة (LEED). أصبح هذا النظام معترف به دوليًا وتسعى العديد من الدول كالإمارات العربية المتحدة لتكون أبينتها حائزة على هذا التصنيف. نالت الإمارات المرتبة الثامنة عالميًا عام 2015.
تقييم استدامة المبنى وفق LEED
يعتمد هذا النظام عدة نقاط عند تقييم المبنى:
الموقع والنقل: الابتعاد عن المواقع الحساسة بيئيًا والقرب من النقل العام.
المواقع المستدامة: حماية الموائل الطبيعية، والحد من التلوث، وتسهيل التواصل مع الطبيعة.
الاستفادة القصوى من المياه: نظرًا لأن الوصول إلى المياه العذبة يشكل مصدر قلق للعديد من دول العالم لذك تعتبر استراتيجيات المياه في الأبنية الخضراء ذات أهمية قصوى.
الطاقة والغلاف الجوي: زيادة كفاء استخدام الطاقة للحد من التلوث.
المواد والموارد: استخدام المواد المستدامة والمعاد تدويرها، والاستفادة القصوى من البيئة المحيطة لتوفير موارد البناء.
جودة البيئة الداخلية: مثل نظافة الهواء والتحكم الحراري والتلوث الضوضائي.
ابتكارات التصميم: استخدام استراتيجيات مبتكرة أثناء البناء.
الأولوية الإقليمية: تحقيق تحسينات لمكان البناء من حيث البيئة والمساواة الاجتماعية والصحة العامة.
مستويات شهادة LEED
- المستوى المعتمد: لحصول المبنى على هذا التصنيف يحتاج إلى تحقيق من 40 إلى 49 نقطة.
- المستوى الفضي: للمباني التي تحقق من 50 إلى 59 نقطة.
- المستوى الذهبي: للمباني التي تحقق من 60 إلى 79 نقطة.
- المستوى البلاتيني: أعلى تصنيف يمكن تحقيقه. يجب أن يحقق المبنى أكثر من 80 نقطة. نحو 10% من المباني حول العالم قادة على التأهل للحصول على هذا التصنيف.
فوائد المباني الخضراء
تساعد المباني الخضراء على تقليل الآثار السلبية على الطبيعة الأم، إذ يستخدم فيها كميات أقل من المياه والطاقة، وتعمل على الحد من الانبعاثات، وتوظف موارد الطاقة المتجددة.
يعتبر هذا النمط من البناء مربحًا وفعالًا وجيدًا للاقتصاد. تعمل المباني على تقليل التكاليف اليومية على أساس سنوي. في أميركا مثلًا خلق البناء الأخضر الملايين من فرص العمل وساهم بمئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأمريكي.
تُعطي الأولوية لصحة الإنسان ورفاهيته، فالمباني المستدامة تخلق مساحات خضراء وطاقات نظيفة فتمنح من يسكنون فيها صحة بدنية ونفسية وتفيد بصورة خاصة من يعانون من أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو. بالإضافة إلى أنه يحق للأجيال القادمة العيش على كوكب نظيف.
عيوب المباني الخضراء
الموقع: للاستفادة من ضوء الشمس مثلًا باعتباره طاقة مجددة، يجب أن يكون موقع البناء معرضّا للشمس بحيث تبقى الألواح الشمسية معرضة للأشعة أطول فترة ممكنة.
التمويل: كأي فكرة جديدة تظهر الكثير من علامات الاستفهام لدى المستثمرين حول التكلفة. الأبنية الخضراء عند إنشائها تكلف أكثر من المباني التقليدية لكن التوفير يكمن في دورة حياة المبنى بأكملها.
أتوقع الآن أنك تتساءل ترى هل هناك أبنية حقيقة على الأرض يكسوها اللون الأخضر الطبيعي؟ نعم هناك أبنية يكسوها اللون الأخضر وتُعرف باسم الغابات العمودية.
أفضل خمس مباني خضراء في العالم من حيث تقييم LEED:
برج شنغهاي، الصين
أطول مبنى في العالم حاصل على شهادة LEED، وثاني أطول مبنى في العالم بعد برج خليفة، يبلغ ارتفاعه 632 مترًا. الأشياء الذي تجعل البرج من أكثر الأبراج خضرةً في العالم:
- شكل البرج المثلثي الملتف بزاوية 120 درجة لتكون قاعدته أوسع بكثير من قمته. أدى هذا الشكل إلى تخفيف أحمال الرياح وتوفير الفولاذ الهيكلي.
- واجهته المزدوجة، يغلف البرج طبقتان زجاجيتان، تعملان على تقليل كلفة التبريد. بينهما ردهة ذات مناظر طبيعية توفر للسكان مكانًا للاسترخاء.
- توليد الطاقة باستخدام التوربينات.
- اختيار موقع خزانات المياه والمبردات ومحطات المعالجة بعناية لتحسين ضغط المياه.
برج مصرف أمريكا
يعد البرج رابع أطول سحاب في مدينة نيويورك يبلغ ارتفاعه 366 مترًا. وهو واحد من أكثر المباني استدامة وحائز على LEED وذلك لكونه يستخدم:
- التكنولوجيا المستدامة: البرج يتمتع بالعديد من التقنيات فقد رُكبت التوربينات للاستفادة من الرياح وتعويض بعض الطاقة التي يستهلكها المبنى. بالإضافة إلى الخلايا الكهرضوئية للاستفادة من ضوء الشمس المباشر والمنعكس عن ألواحه الزجاجية. ويضاف إلى ذلك أنظمة المياه التي تُجمع مياه الأمطار لإعادة استخدامها.
- التصميم المستدام: استخدِمت الألواح الزجاجية المعزولة لتنظيم درجة الحرارة المحيطة بالمبنى. واستخدِمت فيه مواد مستصلحة.
مركز بوليت
مبنى في واشنطن افتتِح يوم الأرض، صُمم ليكون المبنى التجاري الأكثر خضرة في العالم. بالإضافة لوجود الألواح الشمسية لتأمين الطاقة وتجميعه لمياه الأمطار يتوفر فيه ميزات إضافية كوجود آبار للطاقة الحرارية الأرضية على عمق 120 مترًا تعمل على تدفئة وتبريد المبنى.لا يحتوي المبنى على موقف للسيارات بل هناك موقف للدراجات فقط. من ميزاته أيضًا نقل الفضلات البشرية خارج المبنى إلى منشأة تعمل على تحويلها إلى سماد.
مبنى كريستال
أنشأت شركة سيمنز هذا المبنى في لندن ليكون مبنى كهربائي بالكامل. تُستخدم فيه تقنيات مبتكرة تستخدم الطاقة الشمسية والطاقة الحرارية لتوليد الكهرباء وأيضًا تُحفظ الطاقة الفائضة في بطاريات لاستخدامها عند الحاجة. يحتوي المبنى على نظام لتجميع مياه الأمطار وتحويلها لمياه الشرب، ومعالجة المياه السوداء والتدفئة الشمسية. ما يميزه أيضّا النظام المتطور والمبتكر لإدارة المباني إذ يمكن التحكم بكل شيء من موقع واحد أو عدة مواقع.
وان فاندربيلت
ناطحة سحاب نادرة صُممت لتلائم تغيرات المناخ. تحتوي على محطة طاقة مستقلة ومقاومة للكوارث قادرة على توليد طاقة تعادل ما تنتجه ستة ملاعب كرة قدم من الألواح الشمسية. يلتقط المبنى كل قطرة مطر تسقط عليه، ويعيد استخدام تلك المياه لتدفئة أو تبريد زواره البالغ عددهم 9000 زائر يوميًا. يسهل المبنى أنماط التنقل من خلال مزحه بين أنماط النقل العام والخاص.
وعلى هذا نرى أنه من واجبنا العمل على جعل حياتنا أكثر استدامة. إذ تتضافر جهود المهندسين مع قادة البلدان والمنظمات على جميع المستويات في سعيهم لجعل الأرض في أحسن وضع. أما الأمم المتحدة فتعقد مؤتمرًا سنويًا لمناقشة الخطوات المتبعة للوصول إلى تقليل أو إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. حاليًا يُعقد مؤتمر الأطراف (COP28) في الإمارات العربية المتحدة ويحضره أكثر كم 70,000 شخص ما بين رجل أعمال وسياسي وخبير وعلماء مهتمين بالبيئة وصحافيين وغيرهم. يؤكد المؤتمر على دور التكنولوجيا كعامل رئيسي في الانتقال العالمي نحو الطاقة المتجددة.
التعليقات 0
اضف تعليق