لكل تطوّر في هذه الحياة تبعيّات ملازمة له، سنتحدّث هنا عن التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت الذي يتعلق بالأجهزة الرقميّة وهو ما يتمّ القيام به من تنمّر سواء كان عبر الهواتف المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر أو أيّة تقنيات أخرى داعمة لخدمة الإنترنت وذلك من خلال التّطبيقات والرّسائل القصيرة ومنصّات المراسلة والألعاب، إذ يُعتبر سلوك سلبي هادف لتخويف وإساءة سمعة المستهدفين بقيامهم بنشر محتوى غير صحيح أو مُسيء بما يخص معلومات شخصيّة عن أحد الأشخاص ممّا يؤدّي إلى الإحراج أو الإذلال وقد يصل الأمر لسلوك غير قانوني أو إجرامي.
الجميع معرّض للتنمّر الإلكتروني لكن تُعتبر فئة الأطفال والمراهقين هي الأكثر استهدافاً نظراً لارتباطهم الأقوى بالإنترنت إذ يتمّ أخذ هذه النّقطة بعين الاعتبار من جميع النّواحي، ويجب السّعي للحدّ من هذه المشكلة لأنّها تهدّد حياة الكثيرين ممّا تسبّبه من توتّر وخوف وإرهاق.
سنرى في هذا المقال تغطية لجوانب متعدّدة لهذه المشكلة لكي تتضح لنا خطورة هذا الأمر وزيادة الوعي للحذر منه والذي قد يواجهنا في أيّة لحظة، سنبدأ بالمصدر المكاني والزّماني لحدوث التنمّر الإلكتروني، وكيفيّة تأثيره على حياة الشّخص سواء كان طفل أو طالب أو امرأة، ومفارنته مع التنمّر التّقليدي، وإظهار الأنواع التي يندرج تحتها وطبعاً لن ننسَ تسليط الضّوء على دور القانون في إيقاف هذا النّوع من التنمّر.
أين ومتى يحدث التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت؟
مع تزايد عدد منصّات التّواصل الاجتماعي أصبح لدى المتنمّرين المزيد من الفرص لاستهداف ضحاياهم والذين هم بالغالبيّة العظمى الأطفال والمراهقين المستخدمين للتكنولوجيا بطريقة مرعبة، وللأسف يعتقدون بأنّهم يستطيعون قول وفعل أي شيء دون الخوف من العواقب وذلك بإخفاء هويّتهم من المنصّات الاجتماعيّة، ونرى فيما يلي بعض الأدوات المستخدمة لتحقيق أهدافهم:
وسائل التّواصل الاجتماعي ( مركز التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت):
تبعاً للعدد الكبير من المراهقين الذين يستخدمون منصّات التّواصل الاجتماعيّ تزداد خطورة وصول التنمّر الإلكتروني لهم وذلك من خلال ما يتمّ نشره من وسائط محرجة على الفور في حساباتهم، أو نشر حالات مهينة موجّهة نحو أهدافهم، فمن المهم مراقبة الآباء أو المعلّمين لمَ يتمّ نشره على تلك الحسابات فربّما هم ليسوا على وعي تام بخطورة السّلوكيات الضّارة بحقّ الذّات.
هناك البعض لا يستعينون بأهلهم ويفضّلون التّعامل مع الموضوع بنفسهم ممّا يؤدّي إلى تعقيد الأمر أكثر، ومع العلم بأنّ الآباء والمعلّمون ليس لديهم المعرفة الكاملة بالتنمّر الإلكتروني، فيجب التّنويه هنا إلى ضرورة تثقيف الطّلاب حول كيفيّة التّعامل الطّبيعي مع الإنترنت وبشكل دائم ، وتعريفهم بأنّه يمكن العثور على كل ما تنشره ولا يتمّ التّخلص منه كليّاً من الويب، ومع توجيه الآباء أولادهم من البداية تجاه الاستخدام الصّحيح للأجهزة الرقميّة عندها يضمنون عادات جيّدة مع مرور الزّمن.
بريد إلكتروني:
نعم! إنّ البريد الإلكتروني ليس للمكاتب فقط بل أصبح متداول بين جميع الأعمار للتّواصل فيما بينهم، ويُعتبر أداة خطيرة يملكها المتنمّر إذ يستطيع استهداف فئة كبيرة بعمليّة واحدة، لأنّه قد يشارك كلمات المرور مع المراهقين ممّا يسمح لتسرّب المعلومات فيجب الحد من هذا التنمّر بالتّشديد على تعزيز أمن كلمات المرور والمراقبة من قبل المدارس والأهالي.
رسائل نصيّة:
وهذه خدمة أساسيّة في كل هاتف لذلك تشمل الجميع فتكون احتمالية استقبال التنمّر من هذا المصدر كبيرة جدّاً وللأسف تقلّ هنا أمكانيّة الوصول للرسائل نتيجة الوجود الدّائم للأجهزة بيد أصحابها.
رسائل فوريّة:
مع اعتبار الكثير أن هذه الرّسائل مجهولة المصدر تصبح هنا من أخطر الأدوات للتنمّر عبر الإنترنت، فعلى الرّغم من اعتماد أغلبيّة الشّباب على الرّسائل النّصيّة إلّا أنّ هذه الرّسائل الفوريّة متّبعة بشكل جيّد.
مقارنة التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت مع التنمّر التّقليدي:
يعتبر التنمّر مشكلة دائمة ليس لها وقت محدّد ويمكن أن نجدها في المدارس أو أماكن العمل أو البيوت، ويجب التّعامل معها بمسؤوليّة من قبل موجّهي المدارس وإدارة فريق العمل والأهالي، لكن مع تطوّر التّكنولوجيا امتدّت هذه المشكلة لتصل إلى الإنترنت وتسمّى التنمّر الإلكتروني، حسناً لنلقِ الضّوء على الاختلاف بين التنمّر وجهاً لوجه والتنمّر الإلكتروني بالارتكاز على عدّة نقاط منها:
الكشف عن هويّة المتنمّر:
عند التكلّم عن التنمّر التّقليدي تكون إمكانيّة التّعرف على شخصيّة المتنمّر بسيطة على عكس حالة التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت إذ تبقى الهويّة مجهولة نظراً لما يستخدمه من طرق لإخفاء كل ما يخصّه من اسم وصور وغيرها وذلك باستبدالها بمعلومات وهميّة مؤقّتة، ونظراً لعدم معرفة الضّحايا بحقيقة المتنمّرين عليهم، فإنّ ذلك يقلّل من فرصة القبض على الخصم ومن فرض العقاب.
إمكانيّة الاتّصال طوال الوقت:
يعتمد التنمّر التّقليدي على القرب المكاني من الضّحية لذلك هنا يكون من السّهل إيجاد مأوى بعيداً عن الخصم، لكن بالمقارنة مع التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت نجد بأنّ هذا الكلام لا ينطبق هنا لكونك هدف أينما كنت طالما أنت متّصل، ونلاحظ صعوبة تجنّبك هذا الأمر خاصّة بوجودك في عصر رقمي حديث للغاية! فربّما يصبح المكان الأكثر أماناً عرضة للشّعور بالخوف والتّوتر، كالمنزل مثلاً.
وجود جمهور عام:
يشمل التنمّر التّقليدي المتنمّر والضّحية وجهاً لوجه وربّما بعض الأشخاص المحيطة به أيضاً، ولكن على الإنترنت يمكن أن يأخذ أشكالاً مختلفة كرسائل التّهديد المباشرة والشّائعات العامّة وصور الفوتوشوب لتحقيق الهدف، والأسوأ من ذلك هو احتماليّة وجود أكثر من متنمّر سويّة ممّا يضخّم تأثير تلك المشكلة.
الانفصال:
يتبيّن لنا في حالة التنمّر على الإنترنت الأثر النّاتج عن عدم التّفاعل وجهاً لوجه مع الضّحية بجعلهم لا مباليين بما يقومون به وانفصالهم عن أفعالهم، فيؤدّي عدم مشاهدة النتائج إلى اختفاء الإحساس بتأنيب الضّمير أو قليلاً من النّدم حتّى وهذا يزيد من تفاقم المشكلة.
التّواجد الدّائم على الإنترنت:
من الصّعب جدّاً المحو التّام لأي شيء يتمّ نشره على الإنترنت، وهذا يشمل الشّائعات والصّور التي قد ينشرها المتنمّرون ورؤيتها من قبل الآخرين، لكن لا بد من إيجاد حل فربّما تطلب من مقدّمي الخدمة إزالة المنشورات، إذ يمكن ألّا نرى ذلك في التنمّر التّقليدي لأنّه لا يوجد أدوات تخزين للمضايقة المباشرة.
آثار التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت:
تغييرات في السّلوك:
هناك بعض المؤشّرات التي يمكن أن تدلّ على حدوث شيء من التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت، وهي:
- انخفاض في السّلوك الاجتماعي كتجنّب مجالسة الأصدقاء أو حضور المناسبات الاجتماعيّة.
- الانعزال في الغرفة أكثر من المعتاد.
- الصّعوبة في التّركيز على الواجبات المدرسيّة.
- تجنّب استخدام الهواتف.
- الحديث عن الانتحار.
مشكلات صحيّة:
تشمل آثار التنمّر عبر الإنترنت أيضاً مشكلات الصّحة العقليّة وزيادة التّوتر والقلق والاكتئاب والتّقليل من احترام الذّات والغضب عند النّظر إلى الهاتف أو أي جهاز يدعم خدمة الإنترنت.
اضطراب العاطفة:
ربّما تنتج آثار طويلة المدى أي حتّى بعد توقّف التنمّر، إذ يمكن أن يؤدّي إلى استمرار الشّعور بالإحراج فلا تستهين بكميّة الضّيق الذي تسبّبه منشورات وسائل التّواصل الاجتماعيّ المزعجة والتي لا تختفي على الفور.
آثار جانبيّة أخرى بما يخص التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت:
استبعاد الضّحايا من قبل رفاقهم الذين يخشون تعرّضهم للتنمّر الإلكتروني أيضاً في حال استمرّت علاقتهم، يا له من شعور محزن! فليس من السّهل أن تصبح شخصيّة منبوذة فجأة لا أحد يلجأ إليك في المدرسة أو حتّى في المنزل.
أشكال التنمّر الإلكتروني:
تعدّدت الطّرق لتحقيق هدف التّسلط على الإنترنت، لذلك يجب أن نكون على علم بأنواعها مثل:
تشويه السّمعة، أخطر أشكال التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت:
إرسال معلومات مزيّفة أو نشر إشاعات كاذبة وضارة من قبل المتنمّر وهو شخص يهدف إلى إيذاء شخص آخر بالسّخرية منه وتشويه صورته أمام الآخرين.
التحرّش والمضايقة:
مشاركة الأفكار السّيئة والغير لائقة اجتماعيّاً وأخلاقياًّ على موقع أحد الأشخاص مع إرسال رسائل مستفزّة ومزعجة بشكل كبير.
انتحال الهويّة:
استخدام هويّة الضحيّة بما في ذلك الاسم والصّورة وكل المعلومات التي تعود له وذلك باختراق البريد الإلكتروني أو حساباً على الشّبكات الاجتماعيّة.
المطاردة الإلكترونيّة:
تكرار عمليّة إرسال تهديدات بالأذى والإهانة الموجّهة مباشرة والتي تؤدّي لمخاوف كبيرة تؤثّر على سلامة الضّحيّة.
الخداع:
مصادقة المتنمّر للشّخص الهدف وجعله يشعر بالأمان، وبمجرّد أن يكتسب ثقة الضحيّة فإنّه يسيء لها بمشاركة الأسرار والمعلومات الخاصّة بها مع أطراف أخرى.
التجسّس:
تصميم تطبيقات خاصّة لاختراق بيانات الآخرين والتحكّم بها.
النّبذ الإلكتروني، من أكثر أشكال التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت تأثيراً:
ترك مجموعة من الأشخاص فرداً خارج هذه المجموعة كاستبعاده عن موقع الألعاب وغيرها من الأنشطة عبر الإنترنت، وهذا شائع جدّاً.
كيف نحدّ من التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت؟
- زيادة الوعي تجاه أهميّة الحفاظ على البيانات الشّخصيّة (صور، فيديوهات، كلمات سر الحسابات.. الخ) بعيداً عن أيادي المتنمّرين الإلكترونيين.
- الاقتراب من الجهة الأكثر أماناً وهي الوالدين إذ لا أحد يريد مصلحتك أكثر منهما لذلك عليك مشاركتهم بكل ما يحدث معك دون تردّد.
- الاطّلاع على القوانين المضمّنة في سياسة مواقع التّواصل الاجتماعي، والحرص على معرفة الطّرق التي يمكن من خلالها مقاضاة المتنمّر إلكترونيّاً.
- عدم إظهار الضّعف والخوف أمام المتنمّر لكي تضمن عدم استمراره في تحقيق هدفه في نشر الاساءات الإلكترونيّة.
- حفظ جميع التّهديدات التي تصدر من المتنمّر لتكون إثبات عند تقديم الشّكوى لأخذ الإجراءات اللازمة.
- محاولة التّواصل مع المتنمّر ومطالبته بإيقاف هجومه السّلبي وذلك ضمن إرشادات آخرين كالوالدين.
- حظر المتنمّر عن كافة منصّات التّواصل الاجتماعي مع الإبلاغ عنه.
هل يتمّ مقاضاة المتنمّر الإلكتروني؟
نعم، يتمّ معاقبة كل شخص يستخدم مواقع التّواصل الاجتماعي لتعريض الأشخاص الآخرين لمواجهة خطيرة مثل الإساءة، تشويه السّمعة، الذّم، أو التّلاعب بالبيانات الشّخصيّة على موقعهم وخرق حساباتهم، تتمثّل جميع هذه النّقاط على إنّها جرائم بنظر القانون، إذ كانت تسمّى فيما سبق جرائم شبكة الاتّصالات في ظل القانون العام لكن لاحقاً حُدد بنصوص تتعلّق بالجريمة الإلكترونيّة.
في جميع الأحوال يُعبّر التنمّر عن ظاهرة خطيرة بنتائجها السّلبيّة على الطّرفين وخاصة التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت، لذلك تكمن هنا أهميّة ردع القانون حدوثها أو الحد منها على الأقل.
بعد ما أوضحناه عن التنمّر الإلكتروني عبر الإنترنت من مصادر وآثار وأشكال وغيرها، أصبح لدينا ولو فكرة عامّة عنه فيرجى أخذ الموضوع بالحسبان والوعي التّام له ومراقبة الآخرين وخاصّة فئة الأطفال والمراهقين الذين هم أكثر عرضة لهذا النّوع من التّهديد إذ يمكننا بهذه الطّريقة المشاركة بحماية من نحب من النّتائج الكارثيّة التي قد يتوصّلون إليها.
أصبحنا في زمن تتخلّله التّكنولوجيا في أدق تفاصيله فلم يعد بوسعنا الاستغناء عنها لكن ما نستطيع القيام به هو استخدامها بشكل متوازن مع الحفاظ على ثقافة الاحترام واتّباع معايير اتّصال يلتزم بها الجميع.
طبعاً وليس هناك غنى عن التّشريعات القانونيّة التي يتمّ من خلالها التّوعية بمخاطر التنمّر ومعاقبة كل من يتمادى باستخدام هذه الشّبكة.
التعليقات 2
اضف تعليق