كنت أحضر محاضرة توعوية عن أشكال العنف في المجتمع, عندما استوقفني مصطلح غريب لم تألف أذني سماعه من قبل.. إنه العنف القائم على النوع الاجتماعي. في الواقع, من الممكن أنك سمعت في مكان ما عن هذا النوع من أنواع العنف المجتمعي, ولكن هل فكرت مليّاً في ماهيته؟ ما هي أشكاله و نتائجه؟ وكيف نستطيع حماية أنفسنا منه؟ دعونا نتعرف على هذه المعلومات سوياً في هذا المقال.
العنف القائم على النوع الاجتماعي:
يشير مصطلح العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى جميع أشكال الانتهاكات التي تمارس تجاه شخص ما على أساس جنسه. بمعنى أن هذا الشخص لم يكن ليتعرض للعنف لولا انتمائه لنوع اجتماعي معين.
وإن من أكثر الممارسات شيوعاً هي العنف القائم ضد الإناث إذ تقول الاحصائيات أن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف على الأقل مرة في حياتها. ومع أن جميع المعطيات تشير إلى معاناة الإناث من هذه الظاهرة بشكل كبير إلّا أننا لا ننكر تعرض الكثير من الذكور لأنواع مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي, لكننا سنركز في هذا المقال على العنف الموجه ضد الإناث.
أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي:
من المؤسف أن أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي كثيرة, إذ إن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان مراراً وتكراراً بناءً على نوعه تندرج جميعها ضمن هذا السياق. وقد صنفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هذه الانتهاكات لعدة أنواع نذكر منها:
1_الاعتداء الجسدي: التهديد الجسدي سواء أكان بسيطاً أو خطيراً. بالضرب أو اللكم أو الحرق أو بتهديد السلاح…
2_الاعتداء الجنسي: أي فعل جنسي كامل أو جزئي يتم دون موافقة الطرف المعتدى عليه. يشمل ممارسة الجنس بالإكراه, الاعتداء, التحرش الجسدي أو اللفظي, ختان الإناث, الاستغلال الجنسي,الاتجار بالجنس…
3_الاعتداء النفسي: إلحاق الأذى النفسي من خلال الإهانات, التنمر, السخرية, التهديد…
4_الاعتداء المادي: الحرمان من الحقوق الأساسية كالتعليم والصحة والعمل_ محاولة التحكم بأصول الشخص رغماً عنه_ التمييز بالفرص على أساس الجنس_ الحرمان من الميراث…
5_العادات والتقاليد التي تضع الأنثى أو الذكر في موضع غير مريح نفسياً و اجتماعياً
وبالطبع فإن هذه الأنواع متداخلة مع بعضها البعض وقد ينتمي الفعل التعنيفي الواحد لأكثر من نوع. مثلاً, ينتمي الاغتصاب إلى الاعتداء الجسدي والجنسي والنفسي بذات الوقت.
النتائج الناجمة عن العنف القائم على النوع الاجتماعي:
إن العنف القائم على النوع الاجتماعي والموجّه ضد النساء بشكل خاص هو نتاج تفاعل معقد بين العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وهو يتفاقم أثناء النزاع المسلح، لا بل يكشف التحليل الجندري للعنف أن العديد من النساء والفتيات يتعرضن للعنف قبل وأثناء وبعد النزاع المسلح، لا سيما في المنزل.
ومن المسلّم به أن تعرض المرأة للعنف يسبب تراجعها تدريجيا عن قيامها بدورها في مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبالتالي انعدام البيئة الآمنة التي كانت تحمي العائلة وتدعمها وتوفر لها التطور المعرفي والاجتماعي والحياتي. والجدير بالذكر أن المرأة هي عماد الأسرة والمجتمع ككل, وبغياب الراحة والأمان لدى المرأة تبدأ المشاكل المادية والنفسية والاجتماعية بالظهور لدى جميع الأفراد.
القضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي:
من أهم العوامل التي تساعد في القضاء على العنف هو نشر التوعية, بدءاً من المدارس لتعليم الأطفال كيف يمكنهم تمييز العنف وحماية أنفسم منه, مروراً بالمنازل و الأماكن العامة وحتى أماكن العمل. لأن العلاقات بين الأفراد هي جزء لا يتجزأ من سياق عائلي أوسع و التغيير البنّاء يمكن أن تكون له تبعات بعيدة المدى تتجاوز الأسرة. وإن إحدى أهم الإجراءات المتبعة هي سن القوانين التي تدعم حقوق المرأة وتؤمن لها المساواة مع الرجل في جميع ميادين الحياة وتمكّنها من أداء دورها الحقيقي والفعال ضمن المجتمع. بالإضافة إلى مد يد العون للأفراد الذين تعرضو للعنف ومساعدتهم في استعادة صحتهم النفسية والجسدية وإشراكهم مجدداً في الأنشطة الحياتية المختلفة وذلك بهدف حماية الأفراد وتمكينهم والارتقاء بالمجتمع إلى سوية أفضل.
وفي هذا السياق فقد أولت الحكومات والمنظمات أهمية بالغة ومتابعة مستمرة لهذه القضية كما عملت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع الشركاء على معالجة الأسباب الجذرية والعوامل المساهمة في العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي إذ دأبت على توفير خدمات إدارة الحالات النفسية التي تركز على الناجين وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي التي تشمل:
- مأوى آمن للنساء والفتيات والمجتمعات.
- خدمات إدارة حالات العنف الجنسي والعنف القائم على النوع، بما في ذلك الإحالة للمتخصصين.
- الخدمات النفسية والاجتماعية والقانونية المنظمة في سياق الاستجابة للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
- التدخلات التي تمكّن الأشخاص المعرضين للخطر والناجين من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع ومعالجة العادات والمعايير الاجتماعية الضارة.
كيف تحرك العالم حيال هذه القضية؟
حملة ال16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة هي حملة دولية لمناهضة العنف ضد النساء و الفتيات, ففي عام 1999 أعلنت الأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر على أنه يوم عالمي لإنهاء العنف ضد المرأة . يصادف هذا اليوم أيضًا بداية الحملة العالمية التي تستمر 16 يومًا والتي تهدف إلى زيادة الوعي بالعنف ضد المرأة. وتنتهي الحملة في العاشر من ديسمبر، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان. حيث تُبرز الحملة إن العنف ضد المراة هو إنتهاك أساسي لحقوق الانسان وهو الانتهاك الأكثر انتشارًا في جميع أنحاء العالم. يتم إستخدام هذه الأيام كاستراتيجية منظمة من قبل الأفراد و المؤسسات و المنظمات في جميع انحاء العالم للمطالبة بالمنع و القضاء على العنف ضد النساء و الفتيات. وقد تم تصميم يوم 25 نوفمبر ليكون اليوم البرتقالي، حيث يرمز اللون البرتقالي الى مستقبل اكثر اشراقاً و خال من العنف، كما أنه وسيلة لإظهار تضامن العالم في القضاء على جميع أشكال العنف، بالتالي يستخدم هذا اللون كرمز لليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.
لأنني أحبكِ:
لا تؤجلي التحدث عن العنف أو تتوقعي توقفه. في حال كنتِ تتعرضين للعنف توجّهي لأحد أفراد أسرتك أو أصدقائك وتحدثي عن الموضوع وابحثي عن المساعدة أو الجأي للمختصين في هذا المجال (في حال توفرهم) لمساعدتك في الحصول على الرعاية التي تحتاجينها. ولا تنسي أن الاعتداء النفسي في بعض الأحيان يكون أشد إيلاماً من الاعتداء الجسدي, لذا عليكِ أن تعي ما يحدث حولك وما تتعرضين له في حياتك اليومية كي لا تكوني ضحيةً للعنف وكي تستطيعي مساعدة الأشخاص من حولك في حماية أنفسهم أيضاً. وتذكّري دوماً أن تعرضك للعنف ليس خطأك وفي حال شعرتِ أنك بخطر اطلبي المساعدة ولا تجبري نفسك على تحمل هذه الأعباء لوحدك.
التعليقات 1
اضف تعليق