الحرب النفسية في العصر الحديث أصبحت أحد أهم ميادين الصراع بين الدول الى جانب الميادين العسكرية والسياسيةوالاقتصادية واتسع نطاق استخدامها بشكل لم يسبق له مثيل فالحرب النفسية تلعب دور كبير في ذهن الناس ومن أشكال الحرب النفسية الدعاية وغسيل الدماغ والشائعات والجاسوسية والدعاية المضادة وتنتقل هذه الأشكال من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والاذاعة والتلفزيون والصحف والأفلام السينمائيةأيضا وتتوقف قوة الحرب النفسيةعلى قوة صانع الحرب النفسية حيث ان هناك دولا تضع وزارات متخصصة في مجال الحرب النفسيةومن خلال الحرب النفسية يتسابق صناعها الى اضعاف موقف الطرف الاخر عن طريق شن هجوم عنيف على القوى النفسية والروحية لديه وفي الوقت نفسه تقوية موقف الطرف المهاجم.
وفي البداية يجب ان نعرف ماهو احد تعاريف الحرب النفسية:هي قيام بلد أو جماعة من الدول بدعاية ضد مناطق محايدة أوصديقة بهدف التأثير على وجهات نظرها وآرائها ومشاعرها ومواقفها على نحو يدعم أهداف الدولة المهاجمة وحلفائها.
1-الجاسوسية:
تؤدي الجاسوسية في مجال الحرب النفسية دورا مهما ويتلخص دورها في افتعال الأزمات مابين الدول أو قيامها بأعمال التخريب والإستفزاز وتسريب المعلومات بغية نشر الفوضى وإرباك الرأي العام.
ومثال لتوضيح ذلك :ما أقدمت عليه المخابرات الاسرائيلية بعد قيام الثورة المصرية 1954-1956 من أعمال التخريب ضد أهداف بريطانية وأمريكية في محاولة للإساءة الى سمعة الثورة المصرية ولصرف الرأي العام العالمي عما حققته هذه الثورة ولذلك فقد أوصت المخابرات الاسرائيلية الى عملائها وفي أثناء احتفالات المصريين بعيد الثورة للقيام بأعمال تخريبية بواسطة وضع القنابل في مكاتب بعض السفارات وقد أدت تلك القنابل الى سلسلة انفجارات سببت بعض الخسائر المادية والبشرية وبعد التحقيقات تبين أن المسؤول عن الأعمال التخريبية هم بعض الجواسيس الاسرائيليين فضيحة لافون
ولايقتصر عمل الجاسوسية على خلق الأزمات والتخريب بل تلجأ الى استخدام الإذاعات والإشراف عليها لبث برامج معينة والهدف منها :
1- النيل من صمود بعض الدول.
2-الإساءة الى أشخاص معينين.
وقد تلجأ الجاسوسية بواسطة بعض العملاء الى بث الذعر والفوضى في صفوف المواطنين بطريقة اختلاقهم للإشاعات أو تسريب
المعلومات المغرضة.
2-الدعاية:
الدعاية علم وفن الاقناع فهي علم لأن من يمارسها يفترض فيه أن يكون على إلمام ومعرفة بطبيعة الشخصية الإنسانية وجوانب قوتها وضعفها وهي فن لأنها تحتاج الى الموهبة الذاتية سواء أكان ذلك من حيث موهبة الكلام أو الخطابة أو من حيث أسلوب الكتابة والتعبير وغير ذلك من فنون الاتصال كالجاذبية والظرافة وسرعة البديهة فالجانبان العملي والتقني يجب أن يتوافرا في شخصية الداعي للوصول الى هدفه.
إن نجاح العمل الدعائي يتوقف على فهم الشخصية الإنسانية وكيفية تعاملها مع المعطيات الخارجية كما أن الدعاية مهما تبلغ من الإتقان فإنها لاتستطيع أن تخلق التأثير من العدم وذلك لما تشكله معرفة الاتجاهات من أهمية على صعيد التوجه الدعائي فهناك دراسات عديدة أكدت أن تعديل الاتجاهات يمكن أن يحدث في حالات ويصعب في حالات أخرى.
أنواع الدعاية :
1-الدعاية البيضاء :
تصدر من مصدر معروف ومستند الى الحق الصريح والمنطق السليم لذلك تكون مؤثرة بالإقناع.
2-الدعاية الرمادية :
لاتوضح مصدرها وهي غير مستقرة فقد تكون بيضاء وقد تكون سوداء كالدعاية الاسرائيلية.
3-الدعاية السوداء :
إنها تنبعث من مصادر مختلفة غير المصدر الأصلي وهي تكون في سياق الحرب النفسية المغطاة وتعتمد على الشر المطلق فهي تكذب وتفتعل الأحداث وتستخدم الشتائم والطعن.
4-الدعاية التجارية:
وتلعب دورا كبيرا جدا في الاقتصاد لارتباطها بالحياة الاقتصادية للشعوب وتعيرها الدول والمؤسسات والأفراد عناية كبيرة وتنفق عليها أموالا طائلة في الاعلان بشتى الوسائل بغية اكتساب الأرباح المالية.
أهداف الدعاية في مجال الحرب النفسية:
1-تسعي الدعاية في مجال الحرب النفسية الى تغيير الفكر والاتجاه عند الأفراد وتغيير القيم والمعتقدات والرأي والسلوك تغييرا من شأنه أن يحقق الكسب للصديق والخسارة للعدو.
2-إحداث الفرقة في صفوف العدو وزعزعة ايمانه بمبادئه ومعتقداته وإضعاف روحه المعنوية والتشكيك بقدرة العدو على تحقيق النصر في حالة نشوب الحرب.
3-محاولة كسب العدو فكريا ودعم المكاسب التي تحققت على الأرض وذلك بواسطة التأثير على نفسية العدو.
4-الخداع والتمويه الاستراتيجي وذلك بطريقة تشجيع الآمال الزائفة واختلاق الأعذار التي تدعو للهزيمة والتقليل من شأن انتصارات العدو والتهويل من شان هزائمه.
3-غسيل الدماغ:
غسيل الدماغ يعني الحرب الدماغية كل محاولة للسيطرة علي العقل البشري وتوجيهه لغايات مرسومة بعد أن يجرد من معلوماته ومبادئه السابقة
ويعتبر غسيل الدماغ أسلوب من أساليب التعامل النفسي بمعنى نقل الشخصية المتكاملة الى حد التمزق العنيف بحيث يمكن التلاعب بتلك الشخصية حتى تصبح أداة طوعية في أيدي المهيج او خبير الفتن .
4-الشائعة:
هي الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الصحة أو المبالغة أو التهويل أو التشويه في سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة وذلك بهدف التأثير في الرأي العام لغايات محددة.
خصائص الشائعة:
1-الانتشار السريع من أهم الخصائص التي تميز الشائعة في وباء اجتماعي يصيب أفراد المجتمع كافة.
2-صعوبة مكافحة الشائعة فكما ان السكوت عن الشائعة يزيد سرعة انتشارها فان محاولة تكذيبها يزيد من سريانها.
3-الشائعة متعددة الوسائل فهي تنتشر بواسطة الحديث الشفهي كماتنتشر بولسطة وسائل الاتصال.
4-يزداد مفعول الشائعة خطورة في المجتمعات التي تتفشى فيها ظاهرة الأمية وتكون هذه المجتمعات ضحية للشائعات.
سمات الشائعات:
1-الإيجاز فهي سهلة النقل والرواية وسريعة التذكار.
2-العلاقة بين الأهمية والغموض علاقة تفاعلية.
3-تبدأ الشائعة بخبر ليس له أساس من الصحة أو تلفيق خبر فيه شيء من الصحة.
4-تزدهر الشائعة على الأخبار .
5-الشائعة تنفس عن المشاعر المكبوتة .
الشائعة ركن أساسي في الحرب النفسية فهي وسيلة فعالة لإحداث البلبلة في الحرب والسلم وترويج الشائعة يحتاج الى الدقة في الصنع والصياغة حتي تنتشر بسرعة وبساطة.
5-الدعاية المضادة:
تعد من أشكال الحرب النفسية عندما يكون الهدف منها كشف كذب العدو وتعرية نواياه وتتمثل في عملية الرد على دعاية العدو بدعاية مقابلة ومضادة لها تنفي وجهة نظر العدو بهدف إفشال مخططاته وهدفها الأساسي تفويت الفرصة على العدو من تحقيق أهدافه التي تتمثل في تحطيم الروح المعنوية.
العوامل التي تساعد على نجاح تنفيذ الدعاية المضادة:
معرفة العناصر التي تبنى عليها دعاية العدو وإدراك نقاط القوة والضعف فيها ومعرفة رموزها ودلالاتها العاطفية ومن العوامل أيضا خبرة من يقوم بالدعاية المضادة ومواهبه الذاتية واختياره للظروف المناسبة .
مراحل اعداد الدعاية المضادة:
1-تحديد أفكار العدو بدقة متناهية ومعرفة أسلوب دعايته.
2-يفترض البدء في مهاجمة نقاط الضعف عند العدو وذلك بواسطة تقديم الأدلة والبراهين والحجج المنطقية الدافعة التي تنفي دعاية العدو وتثبت بطلانها.
3-عدم مهاجمة دعاية العدو وهي بأوج قوتها مخافة أن يؤدي ذلك الى الفشل.
4-إن الرد على دعاية العدو بلغة الأرقام والوقائع يسقط دعاية العدو ويسهم في تحويلها من موقع الهجوم الى موقع الدفاع.
5-استغلال الفرص المتاحة والمبادرة في اللحظات المناسبة يسهمان في التأثير على الرأي العام ماديا ونفسيا.
6-اتباع اسلوب الاستهزاء بالخصم.
مثال للتأكيد على أهمية أشكال الحرب النفسية :
الدعاية النازية:
حتى نتمكن من معرفة التاثير الكبير للدعاية سنذكر مثال مهم وهو الدعاية النازية وكان النازيون ماهرين في مجال الدعايات وكانوا يستخدمون تقنيات اعلانية متطورة لنشر رسائلهم حيث أن هتلر قام بانشاء وزارة للدعاية ووضع وزيرا للدعاية (جوزيف غوبلز) وزير الدعاية النازيةومن خلال الدعاية تمكنت المانيا من غزو بولندا 1939م حيث قام جنود ألمان بارتداء أزياء عسكرية بولندية وباشروا بشن هجمات خاطفة وسريعة على عدد من المواقع الحدودية الألمانيةكما عمدوا على ارهاب سكان القرى الحدودية عن طريق اطلاق اعيرة نارية بالقرب منها وتخريب عدد من الممتلكات ومع نهاية كل هجمة كان الجنود الألمان يقوموا بالقاء جثث معتقلين سياسيين المان جيء بهم من معسكرات الاعتقال عقب الباسهم بدلات عسكرية بولندية لتياشر على اثر ذلك بتصوير مشهد القتلى وتحدث عن اعتداءات بولندية على ألمانيا ومن اكثر الاساليب تطورا للدعاية النازية هو قيام سيعة من الجنود الألمان بارتداء أزياء عسكرية بولندية وقاموا بالدخول الى محطة راديو بقرية كلايفتز الحدودية وعقب اطلاقهم لأعيرة نارية مرر هؤلاء الجنود رسالة معادية للألمان وانسحبوا بسرعة ولتمويه وسائل الاعلام ألقى الجنود الألمان جثة رجل الماني عند مدخل برج الاذاعة لاعطاء الواقعية على الحدث وبعد ساعات تناقلت وسائل الاعلام الألمانية الخبر وكرد على الحادثة قامت ألمانيا ببدء عملية عسكرية ضد بولندا وذلك في صباح اليوم التالي.
الخلاصة:
لقد تعرفنا في هذا المقال على الحرب النفسية وبينا أهميتها فمن الممكن أن تربح الدول حروبا” دون استخدام الحرب العسكرية ولكن ذلك يتوقف على دور صناع الحرب النفسية سواء من خلال استخدام الدعاية وأساليبها وأنواعهاأو من خلال أشكالها كالشائعة أو من خلال غسيل الدماغ أو الجاسوسية أو الدعاية المضادة فكل من هذه الأشكال من الممكن ان يكون سلاحا” لوحده او ممكن ان يتشارك مع البقية في تشكيل سلاح أقوى.
ما رأيك لو اجتمعت كافة أشكال الحرب النفسية في مواجهة دولة بنفس الوقت.. ؟
التعليقات 0
اضف تعليق