الميتافيرس بين الواقع والخيال تزدهر السوق التجارية بمختلف قطاعاتها في الآونة الأخيرة، لكن ليس في المدينة التي تعيش فيها أو في إحدى القرى السياحية، وإنما في عالم جديد بناه فيسبوك،عالم افتراضي جديد، بما معناه ماوراء الأكوان أو “الميتافيرس”.
يمكنك من شراء قطعة أرض، حيث كل “بكسل” يُحسب بمقدار من المال، ويُسمح لك في هذا الفضاء الرقمي بوضع إعلان، أو تأجير الأرض لأحد الأشخاص، أو ربما لتسكينها لإحدى الشخصيات الرقمية. أليس هذا ضربا من ضروب الخيال؟ مَن المجنون الذي سيدفع ماله في شراء بكسلات لا طائل منها؟ ننصحك بالتأني، فهذا الخيال قد أصبح واقعا على ما يبدو.
فالميتافيرس بين الواقع والخيال هو مفهوم قادم من عالم الخيال العلمي، يتخيَّله العديد من الأشخاص في صناعة التكنولوجيا خليفةً للإنترنت اليوم. إنه مجرد رؤية في هذه المرحلة، لكن شركات التكنولوجيا تهدف إلى جعله مكانا للعديد من الأنشطة عبر الإنترنت، بما في ذلك العمل واللعب والدراسة والتسوُّق.
حيث أعلنت مؤخرا شركة فيسبوك تغيير اسمها إلى “ميتا”، وتبين فيما بعد أن الاسم الجديد الذي اختاره لنفسه عملاق مواقع التواصل الاجتماعي مستوحى من مصطلح “ميتافيرس”، والذي يعتبره الخبراء معبرا عن مستقبل مواقع التواصل الاجتماعي أو بالأحرى مستقبل الإنترنت بصفة عامة.
وفيما يلي نستعرض كل ما تريد معرفته عن “ميتافيرس” وما معنى هذه الكلمة وكيف ستحدث نقلة في عالم الإنترنت، وما إذا كانت هناك مخاوف منه
معنى الميتافيرس بين الواقع والخيال
ميتافيرس هي كلمة تتكون من شقين الأول “meta” (بمعنى ما وراء، أو الأكثر وصفاً) والثاني “Verse” (مُصَاغ من “الكون”).
يستخدم المصطلح عادةً لوصف مفهوم الإصدارات المستقبلية المفترضة للإنترنت، المكون من مساحات ثلاثية الأبعاد لا مركزية ومتصلة بشكل دائم.هذه المساحات الإفتراضية يمكن ولوجها والوصول لها عبر نظارات الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز والجوالات والحواسب المكتبية ومنصات الألعاب.
قد لا تشير “ميتافيرس” بالمعنى الأوسع إلى العوالم الافتراضية فحسب، بل قد تشير إلى الإنترنت ككل، بما في ذلك النطاق الكامل للواقع المعزز.
هناك العديد من التطبيقات الفعلية المحتملة للميتافيرس، فحين الوصول إلى ميتافيرس مثالي سيكون بمقدور المستخدم أن يخوض أي تجربة أو نشاط وسيكون بمقدوره التعامل مع أي أمر يحتاجه من مكان واحد، إذ أن الميتافيرس عند وصولها الحالة المثالية الكاملة يمكن تطبيقها على أي شيء.
منشأ مصطلح ميتافيرس بين الواقع والخيال
تمت صياغة المصطلح في رواية الخيال العلمي تحطم الثلج (بالإنجليزية: Snow Crash) التي كتبها نيل ستيفنسون عام 1992، حيث يتفاعل البشر شخصيات خيالية (بالإنجليزية: avatar) مع بعضهم البعض ومع برمجيات، في فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد مشابه للعالم الحقيقي.
استخدم المؤلف نيل ستيفنسون هذا المصطلح لوصف بديل ما بعد الإنترنت يعتمد على الواقع الافتراضي.
تقنية الميتافيرس بين الواقع والخيال
تعرف ميتافيرس بأنها سلسلة من العوالم الافتراضية التي تضم تفاعلات لاحصر لها بين المستخدمين من خلال الأفاتار الخاص بكل مستخدم، والتي ربما لن تقتصر على ممارسة الألعاب والترفيه فقط، بل ستتيح هذه التقنية كذلك العديد من التفاعلات الخاصة بالأعمال.
وتهدف ميتافيرس إلى أخذ تقنيات الواقع الافتراضي إلى مستويات غير مسبوقة، وعلى الرغم من أن مارك زوكربيرغ هو من أعلن مؤخرا عن دخول هذا العالم الجديد، إلا أن شركة “ميتا” أو فيسبوك سابقا لن تستطيع وحدها التكفل بكل التطورات المطلوبة في هذا المجال، حيث أنه ليس فقط مجال واسع للتطوير لكنه أيضا لا يمكن التنبؤ بحدود يمكن أن يقف عندها، الأمر الذي سيتطلب اشتراك جميع الشركات العاملة في هذه الصناعة، وهو ما أكده زوكربيرغ نفسه
كيفية الدخول إلى عالم الميتافيرس
أطلقت شركة فيسبوك (ميتا حاليا) تطبيقا للاجتماعات الافتراضية للشركات، يسمى Horizon Workrooms، يحتاج مستخدميه لنظارات الواقع الافتراضي Oculus VR، وحتى الآن لم تحظ هذه النظارات بالرضا الكامل من المستخدمين، فضلا عن ارتفاع سعرها الذي يبلغ 300 دولار أو أكثر، مما يجعل معظم تجارب ميتافيرس المتطورة بعيدا عن متناول الكثيرين خاصة في الدول النامية.
أما من يمكنه تحمل تكاليف شراء نظارات الواقع الافتراضي، فسيحتاج فقط إلى اختيار الشبيه الافتراضي له “أفاتار”، ليصبح ممثله في هذا العالم الجديد، ويمكنه حينها التنقل بين تلك العوالم الافتراضية التي أنشأتها شركات مختلفة. وحول ذلك يقول زوكربيرغ:
“ستتمحور تجربة ميتافيرس حول القدرة المذهلة على الانتقال الفوري من عالم إلى آخر”
ويتوقف جزء كبير من النجاح المنتظر لعوالم متيافيرس على قدرة شركات التكنولوجيا على التعاون فيما بينها لربط منصاتها عبر الإنترنت ببعضها البعض في هذا الكيان الموحد، وذلك يتطلب أن تتفق فيما بينها على مجموعة من المعايير الموحدة، ما يعني أنه لن يوجد مستخدمي فيسبوك ميتافيرس ولا مايكروسوفت ميتافيرس، بل فقط مستخدمون ميتافيرس ككيان موحد.
كيف سيتم إجراء مكالمات من خلال الميتافيرس؟
قد يتساءل البعض كيف يمكن اجراء مكالمات من خلال الميتافيرس؟ الاجابة بسيطة تماما، حيث يمكن أن نخبر النظارة بأن تتصل بفلان أو فلانة، وبالفعل ستستجيب لها على الفور.
وعن آلية معرفة الوقت؟
يمكن معرفة الوقت من خلال النظارة، حيث يكون الوقت ظاهرا على شاشة النظارة أو نسألها بشكل مباشر عن الوقت.
كيفية حضور فيلم أو أخبار أو مسلسل أو فيديو أو يوتيوب؟
كيفية حضور مباراة كرة قدم أو كرة سلة؟
كيفية شراء بطاقة حضور المباراة؟
كيفية دفع ثمن البطاقة؟
كيفية الذهاب إلى الملعب والجلوس بمكان معيّن في المدرّج؟
الملعب والجمهور موجودين بالنظارة.
كيفية عمل زيارة عائلية أو زيارة عمل أو زيارة تعارف؟
كل ذلك من خلال النظارة.
كيف ستكون أشكال الأشخاص الذين سنراهم أمامنا من خلال النظارة؟ أو كيف ستكون الناس الذين سيرون شكلنا من خلال النظارة؟ ببساطة، سيتم رسم شخصية تشبهنا لحد كبير وسوف نختار ملابس من خلال النظارة وسوف نشتري ملابس لشخصيتنا من خلال النظارة وسوف نستعير ملابس وسنعير بعض من الملابس من خلالها أيضاو العديد من الميزات.
حرفياً ستتحول حياتنا لتصبح من خلال “نظارة”، قد يبدو الأمر مبالغة أو خيال علمي، لكن يمكن النظر للخلف قليلا، تحديدا عام 2005، كان منظر الواقع الذي نعيشه اليوم؟ وكيف صارت حياتنا اليوم في 2021؟
تحول كافة أنشطتنا وأشغالنا ودراستنا وزيارة المتاحف والمعارض والامتحانات والتسوق من الواقع ليصير عبر شبكة الانترنت، والفرق حالياً انه بدل من أن يكون عبر الكمبيوتر والهاتف، فإنه سيصير من خلال هذه النظارة.
مخاطر ومخاوف من الميتافيرس
واجهت شركة فيسبوك سابقا على مدار سنين عملها اتهامات باختراق الخصوصية وتسريب بيانات المستخدمين واستغلالها لتحقيق الأرباح، فما مدى ما سيتمتع به مستخدمي عالم ميتافيرس من خصوصية بيانات في هذا الفضاء الإلكتروني غير المحدود؟
تقوم الفكرة الأساسية لميتافيرس على تحرير الثقافات ومزجها ببعض عن طريق تفاعل سهل وسريع بين سكان القارات المختلفة، ما يعني سهولة أكبر لاطلاع المستخدمين العاديين على بيانات أكبر للمستخدمين الآخرين، فالأمر لن يقف عند حد الاطلاع على البيانات الشخصية والصور فقط، بل ستكون تفاصيل الحياة في العالم الافتراضي، والتي تحاكي الواقع، متاحة للجميع.
فيمكن تخيل كيف للمستخدم أن يكشف عن اهتماماته بسهولة للمحيطين به ما بين اهتمامات فنية أو رياضية أو تسوقية، فضلا عن تفاعلاته الشخصية وربما قراراته اليومية بدأ من اختيار قائمة تشغيل أغاني معينة وحتى قرارات الارتباط وتكوين أسرة.
مما سبق يمكن استشعار القلق والتوتر تجاه نوايا مؤسس فيسبوك من وراء حماسه للدخول في عالم ميتافيرس، خاصة وأن الاتهامات الموجهة إليه باستخدام البيانات الشخصية لبيع الإعلانات المستهدفة عبر فيسبوك لا زالت قائمة.
وقال زوكربيرغ في مكالمة حديثة لأرباح الشركة:
“ستظل الإعلانات في كونها جزءا مهما من الاستراتيجية عبر منصات التواصل الاجتماعي لما نقوم به، ومن المحتمل أن تكون جزءا مفيدا من ميتافيرس أيضا”
وأعربت بيتروك عن قلقها إزاء محاولة شق فيسبوك طريقا إلى عالم افتراضي قد يتطلب المزيد من البيانات الشخصية ويسمح بإمكانية أكبر لسوء الاستخدام والمعلومات الخاطئة في ظل عدم سعي الشركة لإصلاح هذه المشكلات في منصتها الحالية.
يتبقى أن تكشف الأيام المقبلة عما ينتظر عالم التكنولوجيا، وذلك عندما تصبح ميتافيرس في متناول الجميع متغلبة على عوائق انتشارها، فمشكلة ارتفاع سعر نظارات العالم الافتراضي قد لا تدوم طويلا حال ظهور شركات تقدمها بأسعار أقل في سبيل تحقيق الربح من المبيعات الضخمة التي ستشمل حينها مليارات البشر.
هل الحياة الرقمية أو الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز أو ميتافيرس هو خاص بشركة ميتا (فيسبوك سابقاً)؟
لا أبداً، فعدد كبير من الشركات تعمل على الموضوع، منها شركة مايكروسوفت التي خصصت آلاف المهندسات والمهندسين والموظفات والموظفين للموضوع، إضافة إلى شركتي سامسونغ وسوني اللتين تمتلكام الآلاف من براءات الاختراع بمجال الواقع المعزز والواقع الافتراضي وغيرها من الشركات الأخرى.
هل العالم جاهز حالياً لبدء استخدام تقنية الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز؟
بشكل عام لا، فالتقنية لا زالت قيد التطوير، بالرغم من بدء تجريبها بأكثر من مجال، مثل الألعاب أو الجولات الافتراضية أو حتى الاجتماعات الافتراضية وجميعها باستخدام النظارة.
متى يتوقع أن ينتشر الميتافيرس أو أن يتم البدء في الاعتماد على الواقع الافتراضي؟
يتصور الخبراء أنه في ظل سرعة التطور التقني وبظل المبالغ الهائلة التي يتم رصدها من الشركات للتقنية الجديدة وفي ظل الجنون الساذج من الأشخاص والشركات للاعتماد على التكنولوجيا، سينتشر الميتافيرس خلال السنوات القليلة القادمة، خاصة مع بدء التعافي من جائحة كورونا وعودة الحياة لطبيعتها.
وفي النهاية
من الممكن أن تكون هذه التفنية مفيدة جداً للعديد من المجالات، كعملية التعليم و التدريب التي تخطت الحدود الجغرافية مؤخراً، بغض النظر عن وجود إيجابيات و سلبيات لها لكن اذا استثمرت بشكل صحيح و آمن وفعال ستطغى على كل هذه السلبيات نحو عالم أفضل.
فما هي الايجابيات التي ستظهر على المدى البعيد لهذه التقنية؟
حيث أكد الخبراء أن العالم سيترحم على الأيام الحالية, و سوف ينظر للكمبيوتر و الهاتف و الساعة على أنها أشياء من “أيام الزمن الجميل”.
وأنه سينظر إلى شكل مواقع الانترنت وتطبيقات اليوم كما ننظر حاليا إلى تسجيلات الكاسيت و الهاتف ذو القرص وورق الآلة الكاتبة ورسائل اليد المرسلة بالبريد والكاسيت والفلوبي وكاميرا الفيلم وأتاري علي بابا وماريو وويندوز 98.
وأضاف الخبراء أنه وبينما يتوقع أن تكون تقنية الميتافيرس تقنية اختيارية خلال الفترة القادمة, فإنها لن تكون كذلك بعد عدة سنوات.
وكل ما سبق بالأعلى مجرد سرد بسيط حول تقنية الميتافيرس بشكل عام و لننتظر ماذا سيحدث.
التعليقات 0
اضف تعليق