هل سمعت بمهارات التواصل غير العنيف ؟
مهارات التواصل غير العنيف هو أسلوب للتواصل مع الآخرين بطريقة قائمة على تلبية احتياجات الطرفين، وهو مادة أساسية لكل من يسعى لوضع حد لدوائر الخلاف غير المثمر في علاقاته.
يمكن تطبيق هذا المنهج في العلاقات الأسرية وداخل المدرسة، وفي المؤسسات والشركات، وفي تقديم الاستشارات، وفي المفاوضات الدبلوماسية ومفاوضات العمل، وفي النزاعات والصراعات أيا كانت طبيعتها.
يساعدنا التوصل غير العنيف على الغوص تحت السطح ومعرفة أن كل أفعالنا وتصرفاتنا تقوم على احتياجات إنسانية نسعى لتلبيتها، كما ترشدنا طريقة التواصل غير العنيف إلى إعادة صياغة أسلوبنا في التعبير عن أنفسنا والإصغاء للآخرين .
مقومات التواصل غير العنيف:
يقوم منهج التواصل الغير العنيف على 4 مقومات هي:
الملاحظة:
أول مقوم من مقومات التواصل غير العنيف هو الفصل بين الملاحظة والتقييم، مثال:
بدلاً من أن تقول “خالد لاعب كرة قدم سيء “، وتقصد بذلك عدم إحرازه لأهداف خلال المباراة ، قل: ” خالد لم يحرز هدفاً واحداً خلال المباراتين السابقتين” ، فالجملة الأولى تضمنت تقييمك الشخصي لخالد بأنه لاعب سيء، أما الجملة الثانية فهي ملاحظة مجردة خالية من التقييم .
عندما نجمع بين الملاحظة والتقييم يتلقى الآخرون كلامنا على أنه نقد ويبدون مقاومة ورفضاً لما نقوله.
كذلك عند استخدام المبالغات في الكلام مثل مطلقاً ودائماً فهي غالباً ما تحفز المواقف الدفاعية بدلاً من التواصل والتعاطف مع بعضنا.
مثال: “لا أتذكر أنك اتصلت بي مطلقاً” والأفضل قول “مضى ثلاثة أشهر ولم تتصل بي”.
إذاً لابد من ربط الملاحظات بتوقيت وسياق محددين فهذا يقلل من تلقي الآخر لكلامنا على أنه نقد أو لوم، فالملاحظة المجردة الواضحة لا يتخلف عليه إثنان.
المشاعر:
المقوم الثاني في عملية التواصل غير العنيف هو التعبير عن مشاعرنا، علينا إيلاء أهمية كبيرة للمشاعر أثناء حديثنا مع الطرف الآخر لأنه يعزز من عملية التواصل المتعاطف كما وعلينا التفريق بين المشاعر والاعتقادات والتفسيرات مثال:
“أشعر بأنك تتجاهلني” هذه الجملة تعتبر تفسيراً لأفعال الآخرين وليست تعبيراً عن شعورك تجاه هذا السلوك، ويمكن أن يفهمها الطرف الآخر على أنها انتقاد ، ولكي أعبر عن مشاعري حقيقة أقول “أشعر بالحزن عندما لا تتصل بي يومياً” أو “أشعر بالغضب عندما تدخل إلى البيت ولا تسلم علي”، إن تعبيرنا عن مشاعرنا أثناء الكلام يزيد من التعاطف بين الناس ويقلل العنف في علاقاتنا اليومية.
الحاجات:
المقوم الثالث من مقومات التواصل غير العنيف هو إدراك ما وراء مشاعرنا من احتياجات، إن ما يقوله أو يفعله الآخرون ربما هو المثير لمشاعرنا ولكنه ليس سبباً على الإطلاق ، فوراء أي شعور تكمن حاجة غير ملباة، لذا يجب تحمل المسؤولية عن مشاعرنا مثال :
“أنت تغضبني عندما تترك ملابسك على السرير” هذه العبارة توحي أن سلوك الطرف الآخر هو المسؤول عن مشاعر المتحدث، ولا تظهر احتياجات وأفكار المتحدث المسببة لمشاعره، ومن الممكن قول “أنا أشعر بالغضب عندما تترك ملابسك ملقاة على السرير، لأنني بحاجة إلى التنظيم والترتيب في المنزل وليس لدي وقت للأعمال المنزلية”.
عندما نعبر عن احتياجاتنا أثناء كلامنا فمن المرجح أن تتم الاستجابة بتعاطف من قبل الآخر ، قد يكون التعبير عن احتياجاتنا مسألة صعبة في مجتمعاتنا وخاصة بالنسبة للمرأة التي تربت اجتماعياً على تجاهل احتياجاتها والتركيز على رعاية الآخرين والتضحية .
مثال : عندما تقول الزوجة لزوجها ” أنت تحب عملك أكثر مما تحبني”، هنا تقول المرأة أنها بحاجة أكثر إلى الحب والاهتمام ولكنها لا تعبر عن ذلك صراحة، وفي هذه الحالة قد يظن شريكها أنها لا تقدر طبيعة عمله المتعب وسعيه لتأمين مستلزمات لأسرة.
رابع مقوم من مقومات التواصل غير العنيف.. الطلب :
بعد معرفة المقومات الثلاث لعملية التواصل غير العنيف ” ما نلاحظه”،” ما نشعر به”، وما نحتاجه”، بدون انتقاد أو لوم أو تحليل لتصرفات الآخرين يأتي دور المقوم الرابع وهو ما الذي نود أن نطلبه من الآخرين وكيف نعبر عن طلباتنا بطريقة لا تظهر فيها على أنها أوامر، بل هي وسيلة لإثراء الحياة وتلبية احتياجات بعضنا البعض.
الطريقة الأفضل للتعبير عن طلباتنا:
-
استخدام لغة ايجابية محددة، واضحة بعيدة عن الغموض:
مثال قالت إحدى السيدات لزوجها ألا يقضي وقتاً طويلاً في العمل وبعد فترة استجاب لطلبها وأخبرها أنه سيقلص ساعات العمل ويشترك في نادي رياضي.
لكن ليس هذا ما كانت تريده الزوجة، بل كانت تود أن يقضي وقتاً أكثر معها مع الأولاد في البيت، لكن عدم تعبيرها الواضح والمحدد عن طلبها جعلها تفشل في تلبية حاجتها وإيصال طلبها بوضوح.
-
التعبير عن الطلبات بوعي:
كلما كنا أكثر إدراكاً لما نطلبه زاد احتمال حصولنا عليه، ومن الشائع أن يتكلم الناس بدون وعي لما يطلبونه فقد يقول أحد ما، “أنا لا أطلب أي شيء لقد شعرت برغبة في قول هذا للكلام فحسب”، ربما يكون المطلوب هنا هو إظهار التعاطف وأن الشخص المقابل يفهم كلامه وموقفه.
-
مطالبة السامع بتكرار ما سمعه:
أحيانا الرسالة التي نرسلها إلى السامع لا تكون الرسالة التي تم تلقيها ، ولنتأكد من ذلك ونزيل أي صورة من صور سوء الفهم نكون بحاجة إلى أن نطلب من السامع تكرار ما سمعه ونوضح له أننا نرغب بالتأكد من أننا عبرنا عن أنفسنا بوضوح .
-
طلب الصدق:
بعد أن نعبر عن أنفسنا بصراحة ووضوح ونتأكد من فهم الآخر لما نريد قوله نكون حريصين على معرفة رد فعل المتلقي على ما قلناه وهذا يأخذ ثلاث اتجاهات:
- نود أن نعرف المشاعر التي أثارها ما قلناه في نفس السامع وأسباب تلك المشاعر، ويمكن أن نطلب ذلك بقولنا ” أود أن تخبرني بما تشعر حيال ما قلته وما أسباب ذلك الشعور”.
- نود أن نعرف أفكار السامع حيال ما قلناه مثال ” أود أن تخبرني إذا كان مقترحي هذا سيلقى نجاحاً وما الذي سيحول دون نجاحه؟” .
- نود معرفة ما إذا كان السامع مستعداً لاتخاذ إجراء معين أوصينا به مثال : “أريد أن تخبرني إن كنت على استعداد لتأجيل اجتماعنا ليوم آخر”
الطلبات مقابل الأوامر:
أحياناً يتم تلقي طلباتنا على أنها أوامر وهنا يكون الآخر أمام خيارين إما الخضوع أو التمرد ويكون الشخص الذي يصدر الأمر مكروه ولا يتم الاستجابة له بتعاطف.
متى يكون طلبنا أمر؟
يعتبر الطلب أمر إذا عمد المتحدث إلى الانتقاد أو إصدار الأحكام أو اللوم في حال تم رفض الطلب من قبل السامع أو إذا عمد المتحدث إلى إشعار السامع بالذنب.
ويعتبر الطلب طلباً حقيقياً إذا أظهر المتحدث تعاطفاً مع احتياجات الآخر وتفهماً للأسباب التي منعته من فعل ما نطلبه .
وهذا لا يعني أن نستسلم عندما يواجه طلبنا بالرفض كما أنه لا يعني أننا لن نحاول إقناع الطرف الاخر إلى أن نصل إلى مرحلة التعاطف مع ما يمنعه من الموافقة.
الغاية من الطلب:
الغاية من الطلب ليس تغيير سلوك الآخرين أو فرض وجهة نظرنا، الهدف من التواصل غير العنيف هو بناء علاقة تقوم على الصدق والتعاطف الذي ينصب على جودة العلاقة وإشباع احتياجات الجميع.
التلقي المتعاطف بطريقة التواصل غير العنيف:
بعد أن تعلمنا كيف نعبر عن أنفسنا بطريقة التواصل غير العنيف ما نلاحظه ما نشعر به ما نحتاجه وما نطلبه من أجل إثراء حياتنا
ننتقل الآن إلى تطبيق هذه المقومات الأربعة عند الاستماع إلى رسالة الشخص المتحدث، لمعرفة ما يخفيه وراء ملاحظته من شعور وحاجة وطلب.
تعتبر قدرتنا على الاستماع للآخرين والانتباه الكلي للشخص المتحدث والإصغاء له ليس فقط بالأذنين بل بكل كياننا أشبه بالمعجزة ، هناك مقولة تقول “لا تفعل شيئاً فحسب وإنما عليك أن تتواجد“.
علينا منح الآخر المساحة الكافية للتعبير عن نفسه وإيصال الرسالة التي يحاول إيصالها لنا، فأكثر ما يحبط الشخص الذي يكون بحاجة للتعاطف أن يجد الآخرين يقدمون النصائح والتطمينات، “عليك أن تفعل هذا او ذاك”، كما أن إظهار التفوق والتكلم بنبرة تعليمة مع الآخرين يعيق التواصل المتعاطف، كذلك المواساة والتقليل من أهمية الموقف والشفقة والعطف .
كل هذه السلوكيات تجعلك غير حاضر كفاية أمام من يتكلم معك، وعندما نفكر في كلمات الآخرين ونبحث عن مدى ارتباطها بنظرياتنا فإننا لا نتواجد تماماً مع الطرف الآخر، والتواجد والحضور هو ما يميز التعاطف عن الفهم العقلي أو المشاركة الوجدانية.
في التواصل غير العنيف وأياً كانت الكلمات التي يستخدمها الآخرون، يتعين علينا ببساطة أن نستمع إلى ملاحظاتهم ومشاعرهم واحتياجاتهم وطلباتهم، ومن الأفضل أن نكرر ونعيد صياغة كلامهم لمساعدتهم على التعبير عن أنفسهم بصورة صحيحة بناءً على مقومات التواصل غير العنيف، ونعيد صياغة ما فهمناه منهم وذلك قبل أن نلتفت إلى الحلول أو الطلبات التي تؤدي إلى إنهاء الموقف والشعور بارتياح.
مثال على التلقي المتعاطف المتضمن المقومات الأربعة: ” أنت تشعر بالغضب لأن مديرك في العمل منعك من أخذ إجازة لأنك كنت متعب وبحاجة إلى الراحة وترغب في معاوة الطلب منه وجعله يوافق على إجازتك”
التعاطف مع الذات بطريقة التواصل غير العنيف:
أخطر وأهم تطبيقات التواصل غير العنيف هو الطريقة التي نتعامل بها مع ذواتنا فعندما يتواجد بداخلنا عنف موجه نحو أنفسنا يكون من الصعب أن نتعاطف بصدق مع الآخرين.
تعلمنا أن نقيّم أنفسنا بقسوة وأن نسعى دائماً لنكون مثاليين وناجحين، وهذا التفكير يمنعنا من أن نرى الجمال داخلنا، ونرى أنفسنا كأشياء مليئة بالنقائص.
وقد يقع الاشخاص في فخ كراهية الذات بدلاً من الاستفادة من الأخطاء، لذا علينا أن :
- نقيم أنفسنا لحظة بلحظة في الاتجاه الذي كنا نود أن نسلكه في موقف معين وبدافع من الاحترام للذات وليس كراهية الذات ومشاعر الذنب والخجل.
- علينا أن نعرف ما هي مشاعرنا واحتياجاتنا في ذلك الموقف الذي كنا فيه بعيدين عن المثالية.
- مسامحة النفس عندما تصرفنا بشكل غير مرضي، والتعرف إلى الحاجة التي كنا نحاول تلبيتها عند إقدامنا على الفعل الذي نندم عليه الآن.
التواصل الذي يعيق التعاطف
ما الذي يجعلنا غير قادرين على التعاطف مع الآخرين ويفصلنا عن طبيعتنا الإنسانية الشفوقة؟؟
إنها بعض أشكال التواصل “المعرقل للحياة” وهي:
-
الأحكام الأخلاقية:
اللوم والإهانات والتحقير وإطلاق الصفات والانتقادات جميعها أحد أشكال الأحكام الأخلاقية التي تلمح أو تدل على أن تصرف الآخرين لا تنسجم مع مبادئنا وقيمنا وبالتالي نرفض التعاطف معه.
-
عقد المقارنات:
عندما ننهمك في مقارنة أنفسنا بالآخرين فإن ذلك سيعوق التعاطف مع ذواتنا ومع غيرنا، فلكل منا تجربته الخاصة التي تميزه عن غيره وعليه أن يفخر بها وظروفه الخاصة التي جعلته في هذا المكان دون غيره.
-
إنكار المسؤولية:
جميعنا مسؤولون عن مشاعرنا وتصرفاتنا ولا يجب أن نلقي باللوم على الآخرين لأننا تصرفنا بطريقة معينة أو شعرنا بشعور معين فمن شأن ذلك أن يعزز الخلاف بين البشر.
في الختام ، طريقة التواصل غير العنيف تقوم على اللغة التي ترشدنا إلى إعادة صياغة أسلوبنا في التعبير عن أنفسنا والإصغاء للآخرين.
إن هذه الطريقة تدربنا على الملاحظة بدقة بعيداً عن التقييمات، وتمنحنا القدرة على تحديد السلوكيات التي توثر علينا وتعلمنا أن نعبر بوضوح عما نريده في أي موقف، وأن نستمع للآخر وما يخفيه من مشاعر وحاجات وراء كلامه وأن نتعاطف مع بعضنا فكل البشر يشتركون بنفس الحاجات والمشاعر وهذا يقوي قدرتنا على أن نبقى بشراً حتى عند التعرض لظروف شاقة وقاسية.
المصدر
كتاب “التواصل غير العنيف لغة حياة” لمؤلفه: د. مارشال بي. روزنبرج
التعليقات 0
اضف تعليق