كان الجميع ينتظر بترقّب ما تمخّضت عنه اجتماعات مجلسي النواب والشيوخ الأميركي فقد تصدّر خبر تمديد عقوبات قانون قيصر جميع القنوات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي. عمّ الهدوء أرجاء المنزل، وقد أمسك كلّ منا هاتفه النقّال بينما أمسك والدي جهاز التحكّم عن بعد، وشرع في تقليب القنوات الإخبارية وقراءة الأخبار العاجلة. تمتم قائلاً:
سوريا يا أيتها البلد المكلومة .. هل كُتب على شعبك أن يعيش بين مطرقة الحرب وسندان العقوبات؟
سبب تسمية قانون قيصر:
يعود سبب تسميته قانون قيصر إلى شخص مجهول قام خلال فترة الحرب السورية بتوثيق فظائع نظام الأسد في تعذيب المعتقلين، وذلك من خلال نشره صوراً تُظهر آلاف الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب في السجون السورية. يُقال أن هذا الشخص كان يعمل في الشرطة العسكرية السورية، وكانت تُوكَل إليه بحكم عمله مهمة توثيق الوفيّات في أقسام أجهزة الأمن السورية.
تم تهريب هذا الشخص خارجاً خوفاً على حياته وفي حوزته ما يقارب ٥٥ ألف صورة، وخضعت الصور التي سرّبها للتدقيق من قبل منظمة هيومن رايتس ووتش ليتبيّنَ صحة ما نشر فيها، وعلى إثر ذلك قامت المنظمة بنشر تقرير أطلقتْ عليه اسم (لو كان باستطاعة الموتى أن ينطقوا).
عرضتْ المنظمة ضمن هذا التقرير أدلة من الصور المسرّبة نشرتها الأمم المتحدة، وأُطلِق لقب (قيصر) على هذا المصور مجهول الهوية حتى اليوم.

المصور قيصر مرتدياً سترة زرقاء خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي
مشروع القانون:
تم إقرار مشروع قانون قيصر بتاريخ ٢٠ كانون الأول لعام ٢٠١٩ بعد إجماع مجلسي النواب والشيوخ الأميركي وذلك ضمن موازنة الدفاع للسنة المالية ٢٠٢٠، ثم دخل حيّز التنفيذ بتاريخ ١٧ حزيران لعام ٢٠٢٠ عقب توقيعه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب. إن مدة سريان قانون قيصر هي خمس سنوات بدأت من ٢٠ كانون الأول لعام ٢٠١٩ وحتى ٢٠ كانون الأول لعام ٢٠٢٤.
أبرز بنود قانون قيصر:
تشمل عقوبات قانون قيصر الشخص الأجنبي الذي يوفّر عن علم ودراية دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً ذي أهمية، أو يشترك عن علم ودراية في صفقات مع الحكومة السورية أو صفقات مع أي شخصية سياسية رفيعة المستوى في الحكومة السورية، إضافة إلى أي شخص أجنبي يعمل عن عمد بصفة عسكرية داخل سوريا لصالح الحكومة السورية أو حكومة روسيا أو حكومة إيران، أو أي شخص أجنبي خاضع للعقوبات المفروضة على سوريا أو خاضع للعقوبات من أي جهة تملك سلطة فرض العقوبات على سوريا.
كما شملت كل شخص أجنبي يبيع أو يقدّم سلعاً أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات تساعد على توسيع رقعة الإنتاج المحلي للحكومة السورية من الغاز الطبيعي أو النفط أو المشتقات النفطية.
تم تضمين قطاع الطيران أيضاً في قانون قيصر فشملت العقوبات كل من يبيع أو يقدمّ قطع غيار للطائرات، وكلّ من يوفّر سلعاً أو خدمات تستخدم في تشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا لصالح أو بالنيابة عن الحكومة السورية أو لصالح القوات الأجنبية الداعمة للحكومة السورية.
شملت العقوبات أيضاً كلّ من يقدم عن علم ودراية بشكل مباشر أو غير مباشر خدمات بناء أو هندسة ذات أهمية إلى الحكومة السورية خاصة ما يتعلق بعملية إعادة الإعمار.
استثناءات القانون:
لم يتطرّق قانون قيصر إلى الأنشطة الاقتصادية التي تُعنى بمجال التعليم والقطاع الصحي والطبي والمجال الدوائي إضافة إلى القطاع الغذائي، كما أن العقوبات استثنت تقديم المساعدات الإنسانية عن طريق المنظمات المعترف بها دولياً، والمنظمات السورية غير الحكومية التي تقدم خدمات لدعم الأنشطة غير الربحية والمشاريع الإنسانية.
العقوبات المفروضة نتيجة عدم الامتثال:
يتم فرض العقوبات التالية على الشخص الأجنبي المشار إليه سابقاً نتيجة عدم امتثاله لقانون قيصر:
- تجميد الممتلكات: يتم منع وحظر جميع المعاملات المتعلقة بالممتلكات والحصص في الممتلكات التي تخصّ الشخص الأجنبي إذا كانت هذه الممتلكات والحصص في الممتلكات موجودة في الولايات المتحدة الأميركية، أو تدخل الولايات المتحدة الأميركية، أو في حوزة أو تحت سيطرة شخص أميركي.
- منع الحصول على التأشيرات أو الدخول أو الدخول المشروط: يمنع الشخص الأجنبي من الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية، أو الحصول على تأشيرة أو أي وثائق أخرى تسهّل دخوله إلى الولايات المتحدة الأميركية، ويعتبر أيضاً غير مؤهل للدخول المشروط إلى الولايات المتحدة الأميركية أو الحصول على أي منفعة بموجب قانون الهجرة والجنسية الأميركي. يتم أيضاً إلغاء التأشيرات ووثائق الدخول الممنوحة وبشكل فوري وتلقائي بغضّ النظر عن التاريخ والوقت الذي صدرت فيه التأشيرة أو وثائق الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب
تداعيات تطبيق القانون على سوريا:
يسعى قانون قيصر، بحسب رأي الولايات المتحدة الأميركية، إلى ممارسة أقسى أنواع الضغط على النظام السوري وتجفيف موارده، ويرسل إشارة واضحة مفادها أنه لا ينبغي لأي شركة أجنبية الدخول في أعمال تجارية مع هذا النظام أو إثرائه بأي شكل آخر. لاقى هذا القانون أصداءً واسعة في الشارع السوري، وأثار ردات فعلٍ متضاربة فالبعض عبّر عن استيائه لكون القانون سيزيد من آلام الشعب السوري الذي يعاني أصلاً من انعدام مقوّمات الحياة الأساسية، وانهيار قيمة العملة السورية وارتفاع معدلات التضخم بشكل مخيف، والبعض الآخر رأى أن القانون لن يقدّم أو يؤخّر فالوضع المعيشي في القاع ولا هاوية تقبع تحت هذا القاع!
تجدر الإشارة إلى أنه وفي نهاية العام ٢٠١٩ وصل سعر صرف الليرة السورية إلى ما بين (٩٠٠ – ١٠٠٠ ل.س) مقابل الدولار الواحد. وبعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ في عام ٢٠٢٠ تجاوز سعر الصرف ٣٠٠٠ ليرة سورية مقابل الدولار الواحد. واصلت الليرة السورية الانخفاض مقابل الدولار في عام ٢٠٢٢ حتى وصلت إلى ما بين (٣٥٠٠ و ٤٠٠٠ ل.س) مقابل الدولار الواحد. وفي عام ٢٠٢٣ تراوح سعر الصرف بين (٦٠٠٠ و ٧٠٠٠ ل.س) لتشهد بعدها انهياراً حاداً في نهاية العام نفسه وتصل إلى حدود ١٣٠٠٠ ليرة سورية مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء بحسب وكالة الأناضول.
تمديد عقوبات قانون قيصر:
بعد الإطاحة بنظام الأسد في ٨ كانون الأول لعام ٢٠٢٤، طالب نشطاء برفع العقوبات المفروضة على سوريا نظراً لتغيّر المعطيات السياسية ولكون العقوبات تتعلق بشكل أساسي بالنظام المخلوع وحلفائه، ولأنه ثَبُت وبالدليل القاطع أمام العالم أجمع بأن العقوبات زادت من فقر ومرارة الشعب السوري عوضاً عن تلقّيه المساعدة والدعم الدولي، لكن الإدارة الأميركية خيّبت كل التوقعات عندما أعلنت في نهاية العام ٢٠٢٤ تمديد العقوبات لمدة خمس سنوات تالية حتى ٢٠ كانون الأول لعام ٢٠٢٩.
يتأمل المواطن السوري بغدٍ أجمل ينقذه من العيش ما بين مطرقة الحرب وسندان العقوبات. أربعة عشر عاماً قضاها الشعب السوري تحت نير الظلم والاستبداد وشظف العيش تتوّجت بحزمة عقوبات كان أقساها قانون قيصر، ورغم تصريح الإدارة الأميركية على حدّ زعمها وفي أكثر من مناسبة أن العقوبات لا ترمي إلى إيذاء الشعب السوري إلا أن الشعب السوري كان الخاسر الأكبر في لعبة الدول الكبرى.
التعليقات 2
موضوع مهم وسرد جيد
شكراً جلنار.
اضف تعليق